تظهر بين يهود اليمن أو الهند أو المغرب وإنما ظهرت بين يهود العالم الغربي، وهي لم تظهر في العصور الوسطى، على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي بعض المدن الساحلية في أفريقيا وآسيا.
ويدرك الساسة الإسرائيليون هذه الحقائق إدراكاً كاملاً، ولذا فهم لا يكفون عن الحديث عن أهمية إسرائيل كقاعدة عسكرية وحضارية وأمنية للغرب، وأنها، علاوة على ذلك، قاعدة رخيصة، أرخص بكثير من ١٠ حاملات طائرات تبلغ تكاليفها ٥٠ بليون دولار، كانت الولايات المتحدة ستضطر لبنائها وإرسالها للبحر الأبيض المتوسط وللبحر الأحمر لحماية "المصالح" الأمريكية. إن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة "كنز إستراتيجي"(أو دولة وظيفية في مصطلحنا) ، وهذا ما يؤكده المتحدثون الإسرائيليون في واشنطن، قبل الدخول في أية مفاوضات. وقد جاء في إحدى إعلانات النيويورك تايمز (الذي مولته إحدى الهيئات الصهيونية) أنه إذا ما تهددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإن وضع قوة لها شأنها هناك يحتاج إلى "أشهر، أما مع إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلا بضعة أيام". إن هذه العبارة تتحدث عن إجراءات القمع والتأديب ضد العالم العربي وتبين مدى كفاءة الدولة الوظيفية في إنجاز مهمتها، ولا تتحدث عن نقطة الانطلاق ولا عن الأسباب الداعية للقمع والتأديب وهي أن مصلحة الغرب تتطلب مثل هذا القمع لأنها مسألة مستقرة مفروغ منها في الفكر الإستراتيجي الغربي.