وهذا الخطاب الصهيوني المراوغ يخبىء داخله الكثير، ولذا فلنحاول فك شفرته. إن اليهودي العلماني المندمج هو اليهودي الذي يعيش في العالم الغربي، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وهو يعيش سعيداً في وطنه لا يود الهجرة منه. ولكنه يتمتع بدخل مرتفع، ولابد من الاستفادة من هذا الوضع. ولذا، يَطرح الصهاينة شعار "نحن واحد"، ولكنه يُطرَح بحذر شديد وبكثير من التحفظات التي تجعله شعاراً رناناً دون محتوى. فالمطلوب من عضو الشعب اليهودي الواحد أن يُبقي الصلة «الروحانية» مع إسرائيل دون الهجرة إليها. وبهذه الطريقة، يستطيع اليهودي المندمج في الغرب أن يظل في وطنه الحقيقي ويشعر بالانتماء إليه وفي الوقت نفسه يُسمِّي نفسه صهيونياً، وبهذه الطريقة يمكن جَمْع التبرعات منه.
ولكن الكثير ممن يدفعون هذه التبرعات لا يفهمون المضمون السياسي لتبرعاتهم وإنما يدفعون الأموال باعتبار أنها إحسان (صدقة) ، أي عمل خيري، أو مساهمة في مشروع ثقافي وليس مساهمة في عملية استيطانية إحلالية. ويلعب الخطاب الصهيوني المراوغ دوراً أساسياً في ذلك، فما يهم الصهاينة هو تبرعات يهود العالم لا انتماؤهم أو إدراكهم السياسي. وقد ذكر ريتشارد كروسمان (الزعيم العمالي البريطاني) أن وايزمان لم يكن لليهود المندمجين سوى الاحتقار، ولكن كان لديه استعداد دائم لجَمْع أموالهم من أجل مشروعه الصهيوني.
ويدفع الكثيرون التبرعات خشية التشهير بهم من قبَل الحركة الصهيونية، وبسبب الإحساس بالذنب لأنهم لا يهاجرون إلى الوطن القومي (وهؤلاء هم الذين يُطلَق عليهم اصطلاح «يهود النفقة» ) .
ومهما كان الأمر، فإن التبرعات أصبحت القناة الوحيدة التي يعبِّر معظم اليهود عن علاقتهم بإسرائيل من خلالها. ولذلك، اقترح أحدهم تسمية صهاينة الخارج (التوطينيين)«متبرعو صهيون» .