١ ـ فكلا الموقفين يَصدُر عن الإيمان بأن اليهود شعب عضوي له عبقريته الخاصة وأن ثمة جوهراً يهودياً هو الذي يميز اليهودي عن غيره من البشر، وأن هذا الجوهر لا يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان، فاليهود دائماً يهود. ومن هنا، فإن تَصرُّف اليهودي كالأغيار هو تَصرُّف مصطنع لا يعبِّر عن اندماجه في مجتمعه وتمثُّله قيمه وإنما يعبِّر عن ازدواجية في الذات. ومهما يكن ما يبديه اليهودي من ولاء لوطنه، فهو ولاء مشكوك فيه. ومن هنا يحارب الصهاينة وأعداء اليهود ضد اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم. وقد نادى الصهاينة بضرورة رفض "سم الاندماج" أو "الهولوكوست الصامت". وكذلك، فإن المعادين لليهود يرون أن اليهودي المندمج يقلد الأغيار كالببغاء، فهو شخصية خطرة غير أصيلة تهدد نسيج المجتمع، وهو خطر حتى دون أن يدري. ولهذا كان النازيون يتعاملون مع الصهاينة فقط لإصرارهم على هويتهم اليهودية.
٢ ـ يرى الفريقان أن اليهود شعب عضوي لا يمكن أن يهدأ له بال إلا بأن يستقر في الأرض التي يرتبط بها برباط أزلي عضوي. ومن هنا، يرفض المعادون لليهود، وكذلك الصهاينة، الكفاح من أجل إعطاء اليهود حقوقهم السياسية والمدنية الكاملة في أوطانهم، وبالتالي فلابد من "هجرة" اليهود إلى فلسطين أو "طردهم" إليها. ومهما كان المصطلح أو المسوغ، فإن الحركة المثلى المقترحة واحدة، وهي نقل اليهود من أوطانهم الفعلية إلى وطنهم القومي العضوي الوهمي. والواقع أن فكرة «الشعب العضوي» تحوي أيضاً فكرة «الشعب العضوي المنبوذ» ، وهي أساس تحالف الصهاينة والمعادين لليهود فكلاهما يهدف إلى إخلاء أوربا منهم.