وعلي مستوي البنية الفكرية الكامنة، تعني قومية الدياسبورا بالنسبة إلي هذين الداعيين قومية يهود اليديشية أو القومية اليديشية باعتبارها قومية يهودية شرق أوربية يمكن التعبير عنها من خلال إطار الدولة متعددة القوميات (علي نمط الإمبراطورية الروسية والدولة السوفيتية والإمبراطورية النمساوية المجرية) . وبالفعل، نجد أن قومية الدياسبورا أصبحت، علي مستوي الممارسة، هي حق يهود اليديشية في التعبير عن هويتهم الثقافية وفي الحفاظ علي تراثهم ولغتهم داخل إطار الدولة متعددة القوميات. ولذا، فإن مصطلح «قومية الدياسبورا» ليس دقيقاً البتة، وقد يكون من الأدق الإشارة إلي «القومية اليديشية الشرق أوربية» أو «القومية اليهودية الشرق أوربية» ، وعلي كلٍّ فقد تهاوي هذا المفهوم بتزايد معدلات الاندماج بين يهود الاتحاد السوفيتي ويهود الولايات المتحدة.
ويوجد تيار داخل الفكر الصهيوني يميل إلي قبول صيغة معدلة من قومية الدياسبورا، إذ يذهب بعض الصهاينة إلي أن تراث الدياسبورا مهم ويجب الحفاظ عليه ولكنهم يصرون، مع هذا، علي أن مركز الثقافة اليهودية يجب أن يظل في فلسطين. ولعل صيغة مثل هذه هي التي تحكم العلاقة بين الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل، فإسرائيل تَقَبل الآن وجودهم في المنفي باعتبارها حالة نهائية، وتَقَبل إسهاماتهم الحضارية كشيء يستحق المحافظة عليه. وفي المقابل، يَقَبل يهود العالم مركزية إسرائيل في حياتهم الثقافية ويستمدون منها شيئاً من هويتهم، وهذا ما يُطلَق عليه «الصهيونية التوطينية» ، وهي صهيونية يؤمن بها اليهودي في الغرب، حتي يحافظ علي هويته التي يهددها المجتمع الاستهلاكي بالهلاك ودون أن يُضطر إلي الاستيطان في إسرائيل.