للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأثر دبنوف بكل من فكر الاستنارة، والفكر المعادي للاستنارة؛ تأثر بوضعية أوجست كونت وليبرالية جون ستيورات ميل، فرفض اليهودية من حيث هي فكرة تتناقض مع الفردية والحرية والتفكير العلمي، وطرح جانباً مقولات مثل «رسالة الشعب المقدَّس» و «الارتباط الأزلي بأرض الميعاد» إذ وجد أنها لا تفسر وضع الجماعات اليهودية في العالم، وتبنَّي بدلاً من ذلك منهجاً يأخذ في الاعتبار المعطيات المادية (البيئية والحسية) ويؤكد التفاصيل والأشياء المتعينة والقراءة المتعينة للتاريخ وينظر إلي اليهود واليهودية باعتبارهما ظواهر اجتماعية وتاريخية. لكن تأثير الفكر المعادي للاستنارة يتبدَّي في اهتمامه بالبُعد الخاص والعضوي والروحي في الظواهر الإنسانية. وقد تأثر دبنوف بفلسفة فختة في تأكيده العنصر الروحي في القومية، وبفكر إرنست رينان في تأكيده العنصر الذاتي فيها. كما تأثر بمفاهيم المؤرخ الفرنسي فولي الذي عرَّف القومية بأنها (أولاً وقبل كل شيء) مجموعة من الأفراد الذين ينظرون إلي أنفسهم علي أنهم أمة، وقال إن جوهر الأمة هو وعيها. وكذلك تأثر دبنوف بفكر المفكر والمؤرخ الأدبي تايين الذي اعتبر القيم الروحية لأي شعب إنما هي نتاج تطلعاته وظروفه الخاصة. وقد تَبنَّي في نهاية الأمر المفهوم العضوي للأمة الذي طرحه كلٌّ من رينان وتايين والذي أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الغربي في القرن التاسع عشر. ولذا، فرغم أن رفضه اليهودية انطلاقاً من رؤيته العلمية المستنيرة، إلا أنه عاد وقَبلها انطلاقاً من الفكر المعادي للاستنارة باعتبارها تعبيراً إيجابياً عن الروح القومية للشعب اليهودي.

<<  <  ج: ص:  >  >>