ويبيِّن هانز كون أن ثمة تيارين متعارضين داخل اليهودية: تيار قومي وآخر معاد للقومية، وأن التوراة جاء فيها أن زعماء الشعب اليهودي ذهبوا إلى النبي صمويل وطلبوا منه أن يُنصِّب عليهم ملكاً، أي أنهم كانوا يطلبون أن يكونوا مثل كل الأمم وأن تكون لهم حكومة مثل كل الحكومات ودولة مثل كل الدول. وحينما رفض النبي أن يفعل ذلك، أخبره الإله أن يساير اليهود لأنهم بإصرارهم على أن يكونوا مثل كل الشعوب الأخرى لم يرفضوا صمويل وإنما رفضوا الإله نفسه، فهم يودون أن يكونوا خدماً للدولة بدلاً من أن يقوموا على خدمة الإله. وقد أسَّس اليهود دولتهم بالفعل، ولكن الأنبياء أخذوا منها موقف المعارضة، فقام إرميا بالهجوم عليها كما قام عاموس بإعادة تفسير فكرة الشعب المختار حسب أسس جديدة، فالاختيار حسب تفسيره لا يعني أن الإله منح اليهود حقوقاً خاصة، ولا يعني أن انتصارهم على الآخرين أمر أكيد، وإنما يعني أن الإله سيُنزل بهم أشد العقاب إذا ارتكبوا أية خطايا حتى ولو كانت عادية "إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم"(عاموس ٣/٢) . بل إن عاموس كان راديكالياً في تفسير فكرة أرض الميعاد نفسها، فحسب رؤيته لا يوجد أي فرق بين جماعة يسرائيل والأجناس الأخرى. إن مساعدة الإله لليهود على الخروج من أرض مصر ليست مقصورة على اليهود، فالإله يساعد كل الشعوب ولا يميِّز بين شعب وآخر. وقد جاء في سفر أشعياء هذه الرؤية العالمية الشاملة لمستقبل يضم كل البشر "في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى آشور فيجيء الآشوريون إلى مصر والمصريون إلى آشور ويعبد المصريون مع الآشوريين ... مبارك شعبي مصر وعمل يدي آشور وميراثي إسرائيل"(أشعياء ١٩/٢٥) .