ويتبدى شذوذ إسرائيل البنيوي بشكل واضح في علاقتها بالفلسطينيين ومحاولتها الدائبة أن تحاصرهم مجازياً وفعلياً، وأن تفتت وجودهم القومي وأن تضرب عليهم بيد من حديد وأن تستغلهم باعتبارهم مادة بشرية وسوقاً للسلع. كما يتبدى في علاقتها بالعالم العربي الذي تراه باعتباره "المنطقة"، أي مجرد مكان لا تاريخ له ولا اتجاه، ولذا فهي تعتبره سوقاً للسلع ومصدراً للمواد الخام والعمالة الرخيصة وحسب، وتطرح السوق الشرق أوسطية بديلاً للسوق العربية المشتركة. لكل هذا تصبح محاولة التطبيع مع الفلسطينيين ومع الدول العربية محاولة يائسة ترتطم ببنية الكيان الصهيوني الشاذة غير الطبيعية التي تتبدى في سلوكه الشاذ غير الطبيعي.
التطبيع المعرفي
Epistemological Normalization
«التطبيع المعرفي» هو محاول إضفاء صبغة طبيعية على ظاهرة لها خصوصيتها وتفردها وشذوذها بحيث تبدو هذه الظاهرة وكأنها تنتمي إلى نمط عام متكرر هي في واقع الأمر لا تنتمي له، ومن ثم يتم إدراكها وتخيُّلها ورصدها داخل هذا الإطار. ونحن نذهب إلى أن الخطاب السياسي العربي في تحليله للظاهرة الصهيونية قد سقط في محظورين:
١ ـ المغالاة في التخصيص إلى درجة الأيقنة وهي سمة يتسم بها الخطاب المعادي لليهود الذي يرى أن اليهود مصدر كل شرور العالم، وأن الدولة الصهيونية تعبير عن المؤامرة الصهيونية الأزلية. وهذا الخطاب يخرج بالظاهرة الصهيونية من عالم الظواهر الإنسانية ويدخل بها عالم الظواهر الشيطانية، ومن ثم فلا حل لها.
٢ ـ المغالاة في التعميم وإسقاط كل سمات الخصوصية، وهي سمة يتسم بها الخطاب الذي يصف نفسه بأنه «علمي» و «موضوعي» ، والذي يذهب إلى أن الدولة الصهيونية هي دولة مثل أي دولة أخرى، ومن ثم يصبح الحديث عن الدولة الصهيونية حديثاً عاماً عن "قوة العدو العسكرية والاقتصادية" دون أي اهتمام بالمنحنى الخاص للظاهرة الصهيونية.