للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحدي الحضاري هو عملية تغطي كل جوانب الحياة حيث يطرح الآخر رؤية للحياة وأسلوباً لتنظيمها يحققان نجاحاً على جميع المستويات ويحققان كل إمكانيات الإنسان كإنسان، فالتحدي الحضاري ليس مجري إنجاز تكنولوجي أو تفوُّق عسكري وإلا اضطررنا للقول بتفوق التتار على العرب لأنهم عبروا نهر دجلة على كوبري من المخطوطات العربية، ولقلنا بتفوق البرابرة على الرومان لأنهم نجحوا في غزو روما وتحطيم منجزاتها الحضارية. ولكن من الصعب قبول مثل هذا المعيار لأنه معيار أحادي يتجاهل الوجود الإنساني المُركَّب، ولأن التفوق العسكري في نهاية الأمر ليس هو التفوق الحضاري. وقد تحوَّل هذا العنصر الوحيد إلى المعيار الأوحد بتأثير الحضارة الغربية ذات الرؤية الداروينية الصريحة، التي منحته مركزية لا يستحقها.

وإذا نظرنا إلى التجمُّع الاستيطاني الصهيوني الذي يمثل التحدي الحضاري ـ حسب رؤية البعض ـ لوجدنا بالفعل تجمعاً قد حقق تفوقاً عسكرياً لا يمكن إنكاره. ولكنه تفوُّق لم يحرزه بإمكانياته الذاتية وإنما بسبب الدعم العسكري الغربي. بل إن التجمُّع الصهيوني ككل لا يعتمد على موارده الطبيعية أو الإنسانية وإنما يعتمد على الدعم المستمر من الولايات المتحدة والدول الغربية ويهود الغرب. ومن ثم فمحاولة محاكاة هذا المجتمع محاولة فاشلة، مصيرها الإخفاق.

وهذا التجمُّع الصهيوني هو مجتمع ذو توجُّه عسكري واضح، تهيمن عليه المؤسسة العسكرية التي ليس لها أي وجود ملحوظ لا بسبب غيابها وإنما بسبب حضورها الكامل العضوي في كل مؤسسات التجمُّع الصهيوني.

<<  <  ج: ص:  >  >>