للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان المخطط الصهيوني يهدف إلى أن تكون الدولة الصهيونية الوظيفية من النمط المستقل. وحين سأل الاستعماري البريطاني سير سيسل روديس الزعيم الصهيوني وايزمان عن سبب اعتراضه على وجود سيطرة فرنسية محضة على الدولة الصهيونية، رد الأخير قائلاً: إن الفرنسيين ليسوا كالإنجليز، إذ أنهم يتدخلون دائماً في شئون السكان (أي المستوطنين) ويحاولون أن يفرضوا عليهم الروح الفرنسية.

وقد قام الصهاينة بطرد الفلسطينيين فعلاً، وأنشأوا دولتهم الصهيونية المستقلة. ولكن التطورات التاريخية أظهرت أن الجيب الصهيوني لا يندرج تحت أي نوع من أنواع الاستيطان المألوفة، فهو يعتمد على قوة غربية عظمى اعتماداً كاملاً، ولكنه في الوقت نفسه يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال، ومثل هذا الوضع الشاذ يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل خاصة بالصهيونية وحدها. فالمستوطنون الصهاينة لم ينشأوا في دولة أوربية واحدة يدينون لها وحدها بالولاء، وتقدم هي لهم بدورها الحماية أو المأوى في حالة تصفية الجيب الاستيطاني. فالصهاينة، على عكس سكان المستوطنات الآخرين، ليس لهم وطن أم، وإنما لهم زوجة أب فحسب (إن أردنا استخدام الصورة المجازية نفسها) مستعدة للتعاون معهم ولكن في حدود. فالعلاقة بين المستوطنين الصهاينة والدولة الغربية التي ترعاهم تستند إلى المصلحة المشتركة، فهي علاقة تعاقدية نفعية وليست نتاج روابط حضارية عميقة أو عضوية. ولذا، فإن الجيب الصهيوني لا يتمتع بالحماية الدائمة من جانب دولة واحدة وإنما يتمتع بالحماية المؤقتة من جانب عدد من الدول (الواحدة تلو الأخرى) . ولعل هذا يُفسِّر سبب انتقال القيادة الصهيونية من مركز جذب إلى آخر. ولكن، وبسبب هذا الوضع نفسه، حقق الجيب الاستيطاني قدراً كبيراً من الاستقلال يفوق كثيراً درجة الاستقلال التي تتمتع بها الجيوب الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>