العزلة هي سبب ونتيجة في آن واحد لوضع أعضاء الجماعات اليهودية، إذ أن المُرتزق المقاتل الذي يُنكِّل بالجماهير ويُستخدَم أداةً لقمعها لابد أن يكون معزولاً عنها. ويجب هنا تأكيد أن عزلته ليست أمراً عرضياً يمكن للعنصر القتالي تَجاوُزه بعد مرحلة زمنية معيَّنة، وإنما هي جزء جوهري وعضوي لا يتجزأ من وظيفته، فالمرتزق لا يمكنه أداء وظيفته على أكمل وجه إن لم يكن معزولاً عن الجماهير التي يقوم بالتنكيل بها، إذ أن الدخول في علاقة إنسانية مع أعضاء المجتمع تجعل قيام عضو الجماعة الوظيفية القتالية بذبحهم عسيراً، فالإنسان لا يذبح في غالب الأحيان إلا الغريب المباح، أما القريب (الذي يقع داخل دائرة القداسة) فمن الصعب قتله. ولذا، فقد حرصت الطبقات الحاكمة دائماً على أن تكون العناصر القتالية (وخصوصاً التي تُستخدَم في المواقع الأمنية) عناصر مستوردة من خارج المجتمع، ضعيفة الانتماء له، هويتها مرتبطة بالوطن الأصلي الذي جاءوا منه وأرض الميعاد التي سيعودون إليها أو الجماعة الوظيفية الغريبة التي ينتمون إليها، فهي الوطن الوحيد الذي يعرفونه والكيان الذي يدينون له (ولراعيه) بالولاء. والتميز الإثني لأعضاء الجماعة الوظيفية يفرض عليها عزلة لا يمكنها الفكاك منها، إذ تصبح هذه الإثنية التي هي مصدر عزلتها، هي نفسها مصدر هويتها وكينونتها وأساس وظيفتها وسرّ كفاءتها وضمان استمرارها وبقائها. ولذا، كانت الطبقات الحاكمة تصر على أن يحتفظ العنصر القتالي الوافد بهويته الإثنية الخالصة، حتى تظل آليات العزلة والغربة ومقومات الكفاءة القتالية كامنة في أعضاء الجماعة الوظيفية، ومن هنا كان استيراد المماليك ضرورياً، ومن هنا أيضاً كان أبناؤهم، ممن وُلدوا في مصر ونشأوا فيها، لا يُجندون في صفوف النخبة العسكرية التي ينتمي إليها آباؤهم. هذا هو سبب العزلة. ولكن عضو الجماعة الوظيفية يصبح محط كراهية الجماهير فتزداد عزلته عنها ويزداد التصاقاً