ويتضح هذا الإيمان بالنموذج أحادي الخط في الأمثلة التي يسوقها في مقاله. فهو يذكر أنه اكتشف، أثناء مقابلة له مع رئيس جمهورية المكسيك، أن هذا الأخير يود أن يحوِّل بلده من بلد أمريكي لاتيني إلى بلد أمريكي شمالي (أي يحاول أن يجعلها تلحق بركب الحضارة الغربية والطبيعية!) ، ولا يملك هنتنجتون إلا أن يُعبِّر عن إعجابه العميق بعملية التطبيع هذه، التي ستجعل المكسيك متسقة مع قوانين الطبيعة وأمريكا الشمالية، وتقوِّم إنحرافها عن الصراط المستقيم. هذ هو الإيمان المستقر. ولكن رئيس جمهورية المكسيك، هذا الذي يعرف أمور السياسة، يحذره من الإفصاح عن هذا الإيمان ويقول:"لا يمكن أن نقول ذلك علناً"، إذ أن السيد الرئيس يعرف أن جماهير الشعب تتمسك بالخصوصية والأصالة ولا تدرك، كما يدرك هو وكما يدرك هنتنجتون بطبيعة الحال، أن الخصوصية زخرفة يمكن الاستغناء عنها، وأن الهوية إضافة لا مبرر لها. ولحل هذه الإشكالية لابد من الحديث عن الخصوصية والأصالة ذراً للرماد في العيون مع الاستمرار في عمليات التحديث والتغريب والتطبيع. وهذا ما فعله أوزال رئيس جمهورية تركيا، هذا الذي يؤمن بالتحديث كتغريب وتطبيع، ومع هذا أدى فريضة الحج إلى مكة.
هؤلاء هم أبطال هنتنجتون، رجال يؤمنون بأن الحضارة الغربية حضارة عالمية تناسب كل الناس في كل زمان ومكان، ولذا فبطله الأساسي هو أتاتورك الذي قام بأشمل وأسرع عملية تحديث وتغريب (انطلاقاً من إيمانه بضرورة التخلص من الهوية والخصوصية والماضي) حتى يصل بمجتمعه إلى الحالة الغربية الطبيعية/المادية الحديثة، وهي حالة ـ على كلٍّ ـ سيصل إليها المجتمع في نهاية الأمر، شاء أم أبى، من خلال قوانين التقدم التاريخية الطبيعية العلمية الحتمية.