للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكننا أن نجد جوانب مملوكية عديدة للدولة الصهيونية، فعسكرة المجتمع الصهيوني ليست إلا تعبير عن هذه الظاهرة. كما أن الأموال الطائلة التي تصب فيه تعبير آخر عن الظاهرة نفسها، والإسرائيليون يعرفون جيداً أن هذه الأموال تُدفَع لهم لا حباً في التراث اليهودي أو لاهتمام العالم الغربي بهم (وهو العالم الذي نبذهم على أية حال) وإنما نظراً لاضطلاعهم بوظيفة محددة. وعزلة التجمُّع الصهيوني عن المنطقة العربية، وعلاقة العداء بينه وبين كل المجتمعات المحيطة به، وإحساسه بالغربة وإصراره عليها في الوقت نفسه، ومركب الشعب المختار، وتَميُّع البناء الاجتماعي والطبقي في المُستوطَن الصهيوني، كل هذه السمات تجمع بين الدولة الصهيونية والجماعات الوظيفية ومنها المماليك. بل إن طريقة التنشئة في الكيبوتس، هذه المؤسسة الزراعية العسكرية، هي الطريقة الحديثة لتنشئة المماليك الاستيطانية، وهي الطريقة المبتكرة لتحويل الفائض البشري اليهودي إلى مادة قتالية مملوكية نافعة. فالتنشئة في الكيبوتس تستبعد الملكية الفردية والحياة الخاصة وتتسم في بعض جوانبها بالتقشف، كما أن لها أبعاداً وأهدافاً عسكرية واضحة. ولكن أعضاء الكيبوتسات، مع هذا، يتمتعون بمستوى معيشي مرتفع بل ومترف، يفوق كثيراً مستوى بقية السكان، وهم كذلك على مستوى ثقافي رفيع. كما أن الكيبوتسات تُعَد من أهم مؤسسات الضغط التي تشارك في صنع القرار السياسي، بل تتحكم في بعض جوانبه. وهذا المزج بين الجماعية والعسكرية من جهة، والترف والثقافة من جهة أخرى، يُذكِّرنا ولا شك بالساموراي، فالكلمة تعني «الخادم» وتعني أيضاً «البوشي» أو «المحارب الأرستقراطي» . وقد كان المماليك أيضاً خدماً ولكنهم كانوا كذلك حكاماً وصناع قرار. وكان المملوك يتمتع بثروته أثناء حياته ولكنها كانت تُصادَر بعد موته. ولكن طبيعة الكيبوتس المملوكية تخبئها ديباجات حديثة بحيث تُفسَّر الجماعية الكيبوتسية على أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>