للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن نقطة الاختلاف الأساسية بين الثلاثة تكمن في الاختلاف حول سرعة الوصول، ففوكوياما زادت حرارته المشيحانية فتَعجَّل وأعلن أننا قد "وصلنا" و"عدنا" ولذا فهو يُعلن نهاية الآخر وانتصار الذات ونهاية التاريخ وبداية الفردوس الأرضي، بينما يرى فؤاد عجمي أننا قد بدأنا كلنا نستحث الخطى ولكننا لم نصل بعد. أما هنتنجتون فهو أقل تفاؤلاً من كليهما، فهو يرى أن الطريق إلى النهاية الفردوسية الطبيعية في لحظة الوصول ليست بهذه البساطة. وحتى يوضح وجهة نظره، فإنه يشير إلى تلك الأيام الجميلة حينما كان الغرب يهيمن على المؤسسات السياسية والأمنية الدولية والاقتصادية ثم تغيَّر الأمر بعد ذلك إذ ظهر لأول مرة بعد إعلان حقوق الإنسان (وهو إعلان علماني تماماً يستند إلى فكرة القانون الطبيعي) دول لا تؤمن لا بالتراث المسيحي/اليهودي (أي تراث الحضارة الغربية) ولا بالقانون الطبيعي (التحديث على الطريقة الغربية والعلمانية) . وقد زادت هذه الدول عدداً وأصبحت الآن في المقدمة. وهذه الدول التي لا تنضوي تحت المنظومة الغربية لا تحث الخطى نحو النهاية الموعودة (والاستسلام للآخر لمحو الثنائية) إذ أن بعضها بدأ (على حد قول جورج ويجيل الذي يقتبس هنتنجتون كلماته) يتراجع عن عمليات العلمنة والتغريب في العالم وبدأت تقاوم، بل قد تتحالف مع بعضها ضد الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ وحالة الطبيعة. ويُعَدُّ هذا التراجع الحقيقة الاجتماعية الأساسية في الحياة في نهاية القرن العشرين. والدين (كما قال هنتنجتون) أساس الهوية والخصوصية الحضارية التي تتجاوز الحدود القومية وتُوحِّد الحضارات، فالصراع ليس صراعاً بين حضارات (لكلٍّ قيمتها وقيمها) وإنما هو صراع بين منظومة قيمية غربية علمانية تدور في إطار المرجعية المادية وتستند إلى فكرة القانون الطبيعي (المادي) بكل ما يتضمنه ذلك من إنهاء للتاريخ والإنسان والهوية من جهة، ومن جهة أخرى كل من يقاوم ذلك ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>