٤ ـ يُلاحَظ أن الخطاب الاستعماري الاستيطاني خطاب توراتي. فالمستوطنون سواء في جنوب أفريقيا أو إسرائيل هم «عبرانيون» أو «شعب مختار» أو «جماعة يسرائيل» ، واعتذاريات المستوطنين عادةً اعتذاريات توراتية، فالأرض التي يستولون عليها هي صهيون، أرض وعد الإله بها أعضاء هذا الشعب دون غيرهم. والسكان الأصليون إن هم إلا «كنعانيين» أو «عماليق» ، وجودهم عرضي في هذه الأرض (أو غير موجودين أساساً) . ولذا فمصيرهم الإبادة أو الطرد أو أن يتحولوا إلى عمالة رخيصة.
٥ ـ عادةً ما ترى الجيوب الاستيطانية نفسها باعتبارها موجودة عرضاً في المكان الذي توجد فيه (أفريقيا أو العالم العربي) ولكنها، في واقع الأمر، ليست منه. وذلك لأنها جزء من التاريخ الأوربي (وإن كان الصهاينة أيضاً يرون أنفسهم جزءاً من التاريخ اليهودي) . ومع هذا يمكن القول بأن الكتل الاستيطانية عادةً كتل معادية للتاريخ، فقد جاء المستوطنون من أوربا التي لفظتهم إلى أرض عذراء (صهيون الجديدة) لا تاريخ لها ـ حسب تصوُّرهم ـ يمكنهم أن يبدأوا فيها من نقطة الصفر. (وإنكار تاريخ البلد الجديد مسألة أساسية من الناحية المعرفية والنفسية، لأن المستوطنين لو اعترف بوجود تاريخ لسكانه الأصليين لفقدوا شرعية وجودهم) .
٦ ـ عادةً ما يتبنَّى الجيب الاستيطاني رؤية قومية عضوية، إذ يرى المستوطنون أن ثمة وحدة عضوية تضمهم كلهم وتربطهم بأرضهم. هذا على مستوى الإدراك والرؤية، أما على مستوى البنية الفعلية فالأمر جدُّ مختلف. ففي جنوب أفريقيا ـ على سبيل المثال ـ نجد أن المستوطنين هناك قد انقسموا إلى شيع وجماعات، ولكن الانقسام بين العنصر الهولندي والعنصر البريطاني يظل أهم الانقسامات. وفي إسرائيل نجد أيضاً انقسامات حادة بين أعضاء الجماعات اليهودية المختلفة التي هاجرت إلى إسرائيل، ولكن مع هذا يظل الانقسام الأساسي هو الانقسام بين السفارد والإشكناز.