للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان بن جوريون مدركاً تماماً للفرق بين الاستعمار الاستيطاني والاستعمار الإحلالي. وفي إطار إدراكه هذا، اقترح على ديجول أن يتبنَّى الشكل الإحلالي من الاستعمار الاستيطاني حلاًّ للمشكلة الجزائرية، فتقوم فرنسا بإخلاء المنطقة الساحلية من الجزائر من سكانها العرب، ليُوطَّن فيها الأوربيون وحدهم أو يقيموا فيها المستوطنات، ثم تُعلَن دولة مستقلة لسكانها حق تقرير المصير (وكان رد ديجول يتسم بالذكاء التاريخي إذ قال: "أتريدني أن أخلق إسرائيل أخرى؟ ") . وقد أشار كارل كاوتسكي إشارة عابرة لتلك السمة المميِّزة والأساسية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في كلاسيكيته هل يُشكِّل اليهود جنساً؟ كما تَكهَّن بأن يعاني المستوطنون اليهود الكثير خلال النضال العربي من أجل الاستقلال، "ذلك لأن الاستعمار اليهودي لفلسطين يدل على أنهم ينوون البقاء فيها، وعلى أنهم لا ينوون عدم استغلال السكان الأصليين فحسب بل طردهم نهائياً".

وثمة عناصر خاصة بالاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني تضمن استمرار آليات الاحتكاك والتوتر بينه وبين السكان الأصليين وسكان المنطقة ككل. فمعظم التجارب الإحلالية الأخرى حلت مشكلتها السكانية (أي وجود سكان أصليين) بعدة طرق: التهجير أو الإبادة أو التزاوج مع عناصر السكان الأصليين، أو بمركب من هذه العناصر. ولكن التجربة الاستيطانية الصهيونية تختلف عن معظم التجارب الإحلالية الأخرى فيما يلي:

١ - أنها بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، أي في تاريخ متأخر نوعاً عن التجارب الأخرى.

٢ - أنها لم تتم في المناطق النائية عن العالم القديم (الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا) وإنما تمت في وسط المشرق العربي، في منطقة تضم كثافة بشرية لها امتداد تاريخي طويل وتقاليد حضارية راسخة وامتداد بشري وحضاري يقع خارج حدود فلسطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>