إن ما بعد الحداثة، فى واقع الأمر، هي الإطار المعرفي الكامن وراء النظام العالمي الجديد، فهى رؤية تنكر المركز والمرجعية، وترفض أن تعطى التاريخ أي معنى أو أن تجعل للإنسان أىة قيمة أو مركزية أو إطلاق، وتُسقط كل الأيديولوجيات (عصر ما بعد الأيديولوجيات) ، وتنكر التاريخ (عصر نهاية التاريخ) ، وتنكر الإنسان (عصر ما بعد الإنسان) . فالعالم حسب هذه الرؤية يفتقر إلى المركز، فكل الأمور مادية، وكل الأمور متساوية، وكل الأمور نسبية، فهو عالم في حالة سيولة كاملة (تماماً مثل التناص textuality حين يحيلك نص إلى نص قبله ونص بعده، فيختفي المعنى وتختفي الحدود والهوية والمسئولية) . وكما يقول فريدريك جيمسون، الناقد الأمريكي الماركسي، إن روح ما بعد الحداثة تعبِّر عن روح رأسمالية عصر الشركات متعددة القوميات حيث قام رأس المال (هذا الشيء المجرد المتحرك الذي لا يكترث بالحدود أو الزمان أو المكان) بإلغاء كل الخصوصيات، كما ألغى الذات المتماسكة التى يتحد فيها التاريخ والعمق والذاتية، وحلت القيمة التبادلية العامة محل القيمة الأصيلة للأشياء.