أ) الإنتاج والزيادة المطردة للإنتاج هو الهدف النهائي من الوجود في الكون، وما يُحرِّك المُنتِج هو المنفعة، ولذا فلابد من عملية قمع، فلو حرَّكته اللذة لكانت كارثة، والإنسان مُنتِج أكثر من كونه مُستهلكاً، واجبه الإنتاج ومكافأته الاستهلاك، ولذا تسود في بداية هذه المرحلة أخلاقيات العمل البروتستانتية ويظهر الإنسان الاقتصادي في الدول الرأسمالية وهو نفسه الإنسان الاشتراكي (بطل الإنتاج) في الدول الاشتراكية، وكلاهما تتحدد مكانته في المجتمع في إطار مقدار ما يُنتج (لا ما يستهلك) . ومن هنا التقشف والتراكم وزيادة الإنتاج والصناعة الثقيلة وبدايات الاقتصاد الرشيد ومرحلة المركنتالية وتوحيد السوق القومية في البداية، ثم الرأسمالية الرشيدة والرأسمالية المالية أو المصرفية في غرب أوربا والولايات المتحدة وظهور مفهوم السوق العالمي (وبداية ظهور ملامح الاستهلاكية والانفتاح وتحدي السوق والجنس للدولة القومية) .
ويمكن في هذه المرحلة أن نتحدث عن «المستغلين» و «المستغَلين» وعن عمال يتم اعتصار فائض القيمة منهم، وعن طبقات متوسطة تحقق حزاكاً اجتماعياً أو هبوطاً في السلم الاجتماعي والطبقي.
ومع هذا، لم يكن قد تم تحديث أوربا تماماً حتى عام ١٩١٤، فاقتصاديات معظم بلاد أوربا كانت تضم قطاعاً زراعياً كبيراً، وكان معظم السكان إما جزءاً من الاقتصاد الزراعي أو جزءاً من الصناعات الاستهلاكية والتجارة الصغيرة المحلية. وقد حققت الثورة الصناعية خطوات واسعة بعد عام ١٨٩٠، وساهم التراكم الإمبريالي في الإسراع بعمليات تحديث الغرب، ومع هذا ظل كثير من البنَى الاقتصادية والثقافية القديمة التقليدية قائماً. وقد تمتعت إنجلترا ثم الولايات المتحدة بمركزية في النظام الاقتصادي العالمي.