وقد تواتر الموضوع الأساسي الأول، أي اليهودي كعربي، في الكتابات الصهيونية التي صدرت قبل أن تتحدد معالم المشروع الاستيطاني الصهيوني تماماً، وقبل أن تتبلور خريطته الإدراكية، وقبل أن يتحول العربي إلى الآخر (ولعل هذا قد حدث بعد وعد بلفور) . وفي هذه المرحلة، كان من الممكن النظر إلى العربي على أنه الشرقي وممثل الأغيار الأصحاء الذين يمكن التشبه بهم والتوحد معهم للشفاء من أمراض المنفى، وحسب هذا الإدراك يتحوَّل العربي إلى بطل رومانسي تحيطه هالات أسطورية كثيفة. ويبدو أن بعض المستوطنين الصهاينة الأوائل من أعضاء جماعة البيلو، انطلاقاً من الرؤى الرومانسية التي كانت سائدة في أوربا آنذاك، كانوا ينظرون إلى استيطانهم في فلسطين باعتباره نوعاً من "العودة إلى الشرق" الطاهر (مقابل الغرب المدنَّس المليء بالشرور) . وأن «العربي» هو الحكيم الذي سيعلمهم كل الأسرار ويأخذ بيدهم ويهديهم سواء السبيل. وقد تبنَّى هذه الرؤية أحد زعماء موجة الهجرة الثانية، مائير ويلكانسكي، وتبعه في ذلك جوزيف لويدور (صديق الزعيم الصهيوني حاييم برنر وقد لقيا مصرعهما في إحدى المعارك مع العرب) . ويُلاحَظ أن أول جماعة عسكرية صهيونية، والتي كانت تُدعَى الحارس (هاشومير) ، كانت ترتدي زياً عربياً، وأن بعض أعضائها كانوا يعيشون مع البدو ليتعلموا طرقهم.
وكان الأدب الصهيوني في هذه المرحلة الأولى مفعماً بهذه الرؤية الرومانسية، فكتب موشيه سميلانسكي الكاتب الصهيوني سلسلة من الكتب، تحت اسم مستعار هو الخواجة موسى، يصوِّر فيها بإعجاب شديد حياة الفلسطينيين الذين تحولوا في هذه الكتب إلى بدو ورعاة جائلين يُذكِّرون القارئ بشخصيات العهد القديم. وفي قصة قصيرة كتبها زئيف يافيتس عام ١٨٩٢، يرد وصف لطفل يهودي في مستوطنة بتاح تكفا يتعلم من العرب كيف يدرب جسده على "الحرارة والصقيع وعلى الفيضانات والقحط".