للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو أن هذا التيار كان شائعاً لدرجة كبيرة حتى أن مجلة هاشيلواح نشرت مقالاً للناقد الصحفي الصهيوني جوزيف كلاوزنر وجه فيه اللوم للكُتَّاب الصهاينة المستوطنين في فلسطين الذين يصورون كل اليهود في فلسطين كمتحدثين بالعربية يشبهون العرب في كل شيء. وقد استمر هذا التيار وأخذ شكلاً مغايراً وهو الدعوة إلى الوحدة السامية والإيمان بالأصول السامية المشتركة لكلٍّ من العرب واليهود والتي عبَّر عنها فكر الحركة الكنعانية التي انتشرت بعض الوقت بين المثقفين الصهاينة. ويجب ملاحظة أن هذا الموقف من العربي، كبدوي وبطل رومانسي، يتسم بقدر كبير من التجريدية، فالعربي هنا ليس إنساناً حقيقياً تاريخياً وإنما هو مقولة رومانسية مجردة ليست ذات حقوق متعيِّنة. كما أن العربي هنا بدوي أي إنسان متنقل غير مرتبط بالأرض، الأمر الذي يخدم المصالح الصهيونية ولا شك. وتمجيد العربي هو في واقع الأمر فصله عن أرضه وعزله عن إنسانيته المتعيِّنة ليصبح شيئاً يشبه الآثار الساكنة (التي نسميها «الأنتيكة» في مصر) . والصهيونية في هذا، مرة أخرى، لا تختلف كثيراً عن العنصرية الغربية، التي كانت لا تمانع بتاتاً في الإعجاب بـ "الماضي التليد" و"الأمجاد الغابرة" ما دامت مقطوعة الصلة بالواقع وما دامت لا تُستخدَم كمؤشر على ما يمكن أن ينجزه صاحب هذا التراث في المستقبل. وقد اختفت هذه المقولة الإدراكية تماماً في الخطاب الصهيوني، ولم يبق لها سوى أصداء خافتة باهتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>