والدولة القومية هي التي قامت بتحديد الحدود وترشيد الداخل الأوربي وتحديث المؤسسات وعلمنة الرموز وتدجين الإنسان الأوربي وتحويله إلى إنسان وظيفي حديث ("استعمار عالم الحياة"، على حد قول هابرماس) ، ثم جيشت الجيوش ونهبت العالم فأسست البنية التحتية والفوقية للمجتمعات الغربية من خلال التراكم الإمبريالي (الذي يُقال له «التراكم الرأسمالي» ) .
ورغم قوة الدولة القومية وشراستها وهيمنة البورجوازية، ظلت هناك جيوب تقليدية (أرستقراطية ـ إثنية ـ دينية) حتى الحرب العالمية الثانية، وكان كثير من أعضاء النخب الحاكمة من أصول أرستقراطية، وكان معظم أوربا يحكمها أسر ملكية. بل تكيفت البورجوازية مع النظام القديم وتلونت الأرستقراطية الصناعية بألوان الأرستقراطية الزراعية.
ويرى أحد المؤرخين أن التحول الحقيقي للغرب تم بعد ما يسميه «حرب الثلاثين عاماً الجديدة»(١٩١٤ ـ ١٩٤٤) إذ تم تحديث وعلمنة كل النظم والمؤسسات والبنَى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتهميش الأرستقراطيات وكل الجيوب التقليدية المتبقية.