للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الوقت نفسه ظهرت الرؤية المعادية للإنسان (الإيمان بالعلم المنفصل عن القيمة والغائية الإنسانية) ، إذ أن فلسفة إسبينوزا ورؤية نيوتن قامتا بتأليه الطبيعة بدلاً من الإنسان، ووضعتا المادة في مركز الكون، وطالبتا الإنسان بالإذعان للقانون الطبيعي المادي الآلي والحتميات المادية وهيمنت الواحدية المادية. وظهرت حركة الاستنارة والعقلانية المادية في النصف الأول، وسادت مفاهيم السببية الصلبة في العلوم، وتراجعت القيم المسيحية تدريجياً وكل المطلقات والثوابت. وبدأت مجالات حياة الإنسان المختلفة تنفصل تدريجياً عنه، بحيث يصبح كل مجال مرجعية ذاته، لا علاقة له بالمركز الإنساني.

ومع بداية نهاية المرحلة (ابتداءً من النصف الثاني للقرن التاسع عشر) تبدأ هذه الرؤى في الاهتزاز، فتهتز فكرة الكل المادي المتجاوز، وتتراجع مفاهيم السببية الصلبة في العلوم ويتعمق إحساس الإنسان الغربي بأن معرفة الطبيعة ليس أمراً سهلاً وأن استخلاص قوانين منها ليس أمراً يسيراً وأن الطبيعة ذاتها تحكمها الصدفة. كما أدرك الإنسان الغربي أن تَزايُد الترشيد والتحكم الإمبرياليين لا يؤدي بالضرورة إلى السعادة، بل بدأ يدرك استحالة الترشيد، فتَزعزَع إيمانه بفكرة التقدم والحتمية التاريخية. وهنا ظهر نيتشه الذي أعلن موت الإله، أي نهاية عصر الميتافيزيقا والكليات وادعاء الإنسان المركزية وبشَّر بعالم لا مركزية له. في هذا الإطار ظهر الفكر المعادي للاستنارة واللاعقلانية المادية والرؤية العضوية الشمولية وفكرة التاريخ كعود أبدي وكدوائر مفرغة والفكر العنصري الغربي (كانت أكثر الكتب انتشاراً في أوربا في نهاية القرن التاسع عشر كتاب المفكر العنصري الفرنسي دروموند فرنسا اليهودية) . ومن هذه التربة نبتت النازية واليهودية المحافظة والصهيونية.

<<  <  ج: ص:  >  >>