قصة عظمى ولا ديانة عالمية؛ عالم ذري تماماً لا قداسة فيه انسحب منه الإله ومات فيه الإنسان. ولذا تمحي كل الثنائيات وتختفي النزعة الطوباوية وتظهر النزعة البرجماتية والرغبة في التكيف والمقدرة الفائقة على الإذعان للأمر الواقع.
ويمكننا القول بأنه إذا كان الإله ـ حسب التصوُّر النيتشوي ـ قد مات في أواخر القرن التاسع عشر فإن الشيطان نفسه، قد مات أول يناير ١٩٦٥ (أي مع البداية الافتراضية للمرحلة الثانية) . فالشيطان يفترض وجود قصة كبرى وثنائيات فضفاضة أو صلبة، وعالم يرتكب فيه الإنسان الرذيلة. ومع اختفاء كل هذا، ومع الحياد الكامل تجاه الجسد والجنس والعالم، ومع إزالة ظلال الإله (مفهوم الكلية والسببية والغائية) يصبح من الصعب التمييز بين المقدَّس والمدنَّس، ويصبح الشيطان كائناً بلا وظيفة فيموت، وهذا هو ما يمكن تسميته «تحييد العالم» .
ومع هذا يُلاحَظ أن المقدَّس لم يمت تماماً، وأنه في واقع الأمر لم يُبعث، وإنما كان هناك طيلة الوقت متوارياً. ويعبِّر المقدَّ عن نفسه خارج أي إطار ديني، من خلال عدد هائل من العبادات الجديدة والغيبيات التي تتعايش مع كل المفاهيم العصرية أو تعيش جنباً إلى جنب معها دون أن تدخل معها في أي علاقة.