وقد أدرك القائمون على المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية هذه الحقيقة وأن الطريقة الوحيدة المتاحة أمام المشروع الصهيوني ليس مجرد الاستيلاء على الأرض وإنما إدارته على أساس جماعي عسكري. ولذا فرغم أن اتجاهاتهم الأيديولوجية كانت رأسمالية ليبرالية تؤمن بالاقتصاد الحر إلا أنها قبلت عملية التنظيم الجماعي هذه (التعاونية الاشتراكية) وقامت بدعمها وتمويلها بلا تردد ودون التقيد بأية اعتبارات اقتصادية أو أيديولوجية خارجية. فكانت الوكالة اليهودية تقوم بشراء الأرض (من سلطات الانتداب أو بعض الإقطاعيين العرب المقيمين خارج فلسطين أو من خلال وسطاء) باسم «الشعب اليهودي» وتؤجرها لتعاونية عمالية تدفع أجور العمال فيها حسب ما تنتجه كل مجموعة، وعيَّنت مديراً لكل تعاونية من قبَل المنظمة الصهيونية. وقد حل هذا الشكل من الزراعة كثيراً من مشاكل الاستيطان الصهيوني، فعلى سبيل المثال، يستطيع تجمُّع المستوطنين أن يُقسِّم نفسه إلى مجموعتين، تقوم واحدة بالزراعة والأخرى بالحراسة ومطاردة العرب وإرهابهم (والزراعة الصهيونية التي نسميها «الزراعة المسلحة» مرتبطة تمام الارتباط بالعسكرية الصهيونية، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، فهما وجه واحد لعملية الاستيطان والاستيعاب) . كما أن الحركة الصهيونية تستطيع أن تموِّل هذه التجمعات بحيث لا تؤدي عدم إنتاجيتها، بسبب جهل المستوطنين بشئون الزراعة، إلى سقوط الأرض مرة أخرى في يد العرب. أما المستوطنات التي تمنى بالخسائر الفادحة، فكانت المنظمة الصهيونية تقوم بدفع خسائرها، كما أن المستوطنة الجماعية التي يتلقى أعضاؤها أجرهم من المنظمة الصهيونية العالمية لن تحتاج للعمالة العربية الرخيصة.