والعمالة العربية أساسية في قطاع البناء، ولو كانت الاعتبارات الاقتصادية هي الأهم لتم تشغيل آلاف العرب فيها بشكل دائم ومستمر. ولكن مثل هذا الوضع يهدد أمن إسرائيل العسكري والاجتماعي إذ يعني سقوط قطاع اقتصادي مهم في أيدي السكان الأصليين ووجودهم بشكل دائم داخل تجمُّع المستوطنين. كما أن السلطات العسكرية كثيراً ما تضطر إلى منع العمال العرب من الذهاب إلى مواقع أعمالهم بعد قيام أحد العرب بإحدى العمليات "الإرهابية" أو "الانتحارية" ("الفدائية" أو "الاستشهادية" في مصطلحنا) . وحيث إن المستوطنين الصهاينة يرفضون العمل في أعمال يدوية مثل البناء فإنه يتم استيراد عمال كوريين وفلبينيين ورومانيين!
وحالة قطاع البناء هي حالة ممثِّلة لكثير من الحالات. إذ ينطبق الشيء نفسه على الزراعة الإسرائيلية. فلو سادت الاعتبارات الاقتصادية لتم استخدام الأيدي العاملة العربية على نطاق أوسع في الكبيوتسات والمزارع الجماعية وبشكل أكثر علنية ورشداً. ولكن مثل هذا الأمر يتناقض مع المُثُل العليا الصهيونية ومع قوانين الصندوق القومي اليهودي الذي ينص على ضرورة ألا يعمل في الأرض التي يمتلكها الشعب اليهودي سوى اليهود (ومع هذا "يتسرب" العرب بأعداد كبيرة في قطاع الزراعة وقطاع البناء وغيرها من القطاعات الاقتصادية (.
ويمكننا القول بأن ما يُقال له "الطرق الالتفافية" هي صورة متبلورة لأسبقية الاستيطاني على الاقتصادي، فهي طرق تكلف الكثير لإنشائها وحراستها، ومع هذا تستمر الدولة الصهيونية في تشييدها حتى لا تحدث أية مواجهة بين المستوطنين والسكان الأصليين وحتى يتمتع المستوطنون بعزلتهم!