ومن المؤكد أن هذه التوجهات، التي يتبناها حالياً جهاز الدولة في إسرائيل، لا تتعارض فقط مع أدبيات الصهيونية العمالية، وإنما تصطدم أيضاً بمصالح فئات عديدة داخل المجتمع الإسرائيل وخارجه، الأمر الذي ينقل المناظرة حول تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي إلى مستوى أكثر تركيباً، حيث يصبح السؤال: هل مستقبل الدولة مرهون بالتخلي عن المشروع الصهيوني؟ أم أن الفترة القادمة ستشهد صيغة تلفيقية، ولا نقول توفيقية، تجمع بين صهيونية الخطاب وبعض الممارسات، على الصعيد السياسي والعسكري مثلاً، وتدويل الممارسات الاقتصادية، وهو ما تحاول إسرائيل أن تقدمه حالياً؟ وفي هذه الحالة فإن التساؤل يثور حول إمكانية نجاح مثل هذا النموذج.
فهذا النموذج، الذي سيستمر في إسرائيل حتى بداية القرن الواحد والعشرين على الأقل، لا يعدو أن يكون مجرد مسكن لا علاجاً للأزمة، وهو يحوي من التناقضات ما يجعله غير قادر على الاستمرار. فالمنطق الاقتصادي الجديد، والتطبيع بمستوياته الثلاثة، يقتضي إجراء مجموعة من التنازلات السياسية لإيجاد مناخ يسمح بتدفق رؤوس الأموال (غير المسيَّسة) سواء لتمويل الخصخصة، أو في شكل استثمارات جديدة تنهي حالة الركود والتضخم، ناهيك عن دفع التعاون الإقليمي، الأمر الذي يتعارض بطبيعة الحال مع صهيونية الخطاب والممارسة السياسية.
ومن ناحية أخرى، فإن الخروج من الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، وهي في أحد أبعادها جزء من أزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي الناجمة عن اتجاه معدل ربحية رأس المال نحو التناقص بشكل مستمر، قد يقتضي الاستمرار في السيطرة على الأراضي المحتلة، وهو ما يتعارض بدوره مع تقديم تنازلات سياسية لجذب رؤوس الأموال.