ب) في مرحلة ما بعد الحداثة تختفي الذات الإنسانية المستقلة الواعية وإن وُجدت فهي ذات منغلقة على نفسها وغير متماسكة، والواقع لا يُوجَد وإن وُجد فلا يمكن الوصول إليه. وتختفي المعيارية وإن وُجدت فهي معايير متعددة تنفي فكرة المعيارية المركزية وهو ما يعني استحالة المحاكاة أو التفاعل أو التواصل. وما دامت اللغة موجودة في قلب الثقافة، فهي ليست شفافة وليست موصلاً جيداً كما يتصور دعاة التحديث، فالدوال منغلقة على ذاتها ملتفة حولها، ومن ثم فهي منفصلة عن المدلولات، ولذا فالمعنى دائماً مختلف ومرجأ (الاخترجلاف) .
ونفس القول ينطبق على النصوص، فكل نص ينفتح على النصوص الأخرى، وكل نص يحيلك إلى نص آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية (وهذه هي النصوصية وهي الاخترجلاف على مستوى النصوص) . وهناك دائماً فائض في المعنى ليس بإمكان الإنسان التحكم فيه.
واللغة مكونة من صور مجازية متكلسة، أي أنها صور مجازية تأيقنت ولم تَعُد تصلح وسيلة لاستكشاف الواقع وللتعبير عن التعامل بين الذات والموضوع، فهو مجاز ملتف حول نفسه ومن ثم يخبئ الواقع ولا يوصله.