لقد أحدثت الانتفاضة تغييراً جذرياً في علاقة إسرائيل بالأراضي المحتلة إذ انقلب الاحتلال من عملية تعود على إسرائيل بالأرباح الاقتصادية إلى عملية مكلفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهو ما أدَّى بالسلطات الإسرائيلية إلى انتهاج أسلوب جديد منذ عام ١٩٩١، وهذا الأسلوب المتدرج والبطئ يهدف إلى الإنعاش الاقتصادي عن طريق رفع بعض القيود المفروضة على حرية النشاط الاقتصادي، وعن طريق مساعدة بعض المشاريع الزراعية والصناعية. ولكن الهدف الرئيسي للاحتلال ـ وهو ربط الاقتصاد الفلسطيني بعلاقة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي ـ ما زال هدف السياسة الإسرائيلية الجديدة، فالاختلاف بين السياستين القديمة والجديدة لا يتعلق بالهدف وإنما بالأسلوب فقط. فالهدف مثلما كان في الماضي هو زيادة اعتماد الفلسطيني على مصادر خارجة عن الإنتاج الفلسطيني، لكن بدلاً من أن يتم ذلك عبر تشغيل الفلسطينيين في إسرائيل، تُقام مصانع في المناطق المحتلة لا يمكنها أن تنتج إلا باستخدام مواد أولية إسرائيلية، ولا أن تبيع إنتاجها إلا عن طريق وسائل التصدير الإسرائيلية.
كما حاول المفاوضون الفلسطينيون إعادة التفاوض بشأن العلاقة الاقتصادية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ولكن الاتفاق الاقتصادي الفلسطيني/الإسرائيلي كرَّس واقع التبعية لإسرائيل، وذلك من خلال إعطاء لجنة إسرائيلية/فلسطينية مشتركة صلاحيات واسعة تنتقص من السيادة الاقتصادية في مناطق الحكم الذاتي، وأبقى الاتفاق أسواق الضفة وغزة مفتوحة بالكامل أمام السلع الإسرائيلية، وتم اعتماد الشيكل الإسرائيلي وقبوله قانونياً لتسوية المدفوعات، وأصبح لإسرائيل حق تحديد عدد العمال الفلسطينيين الذين يُسمَح لهم بالعمل لديها، وذلك رغم أنه أعطى الفلسطينيين هامشاً للحركة في بعض المجالات الاقتصادية.