٤ ـ هذا ما يُسمَّى «عملية الترشيد»(وأحياناً «التحديث» وربما «التغريب» ) في ضوء المعايير العقلية المادية والطبيعية المادية، وهي، في واقع الأمر، عملية تدجين للإنسان. والمفروض أن عملية الترشيد هذه ستتزايد على مر الأيام فيتزايد تَحكُّم الإنسان في ذاته وبيئته، فكل شيء في العالم قابل للوصف والتقنين والتوظيف والحوسلة، وضمن ذلك الإنسان نفسه، فهو قابل لأن يتحول إلى مادة استعمالية لا قداسة لها ولا أسرار.
والعلمانية الشاملة، بهذا المعنى، ليست مجرد فصل الدين أو الكهنوت أو هذه القيمة أو تلك عن الدولة أو عما يُسمَّى «الحياة العامة» ، وإنما هي فصل لكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية (المتجاوزة لقوانين الحركة والحواس) عن العالم، أي عن كلٍّ من الإنسان (في حياته العامة والخاصة) والطبيعة بحيث يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها.
٥ ـ إن أردنا استخدام نموذج الحلولية الكمونية التفسيري قلنا إن العلمانية الشاملة هي وحدة الوجود المادية التي لا تختلف عن وحدة الوجود الروحية إلا في تسمية المبدأ الواحد الكامن، فبينما يُسمَّى هذا المبدأ الواحد «الإله» في وحدة الوجود الروحية، فهو يُسمَّى «الطبيعة/المادة» في وحدة الوجود المادية.