٤ ـ يعترف صاحب نظرية السوق الشرق أوسطية بأن فلسطين قلب الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن كسب العرب إلى مشروع المستقبل إذا لم يحدث حل مُرض لقضية الفلسطينيين. وهو يرى ـ كما أوضحنا ـ أن التغيير في وسائل القتال قلَّل أهمية استمرار الاحتلال التقليدي للضفة الغربية من أجل تأمين إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك فإن قطاع غزة بوضعه الحالي مركز دائم للثورة، ويقول بيريز إننا لا يمكن أن نفعل في غزة ما سبق أن فعله شمشون حين حطَّم معبدها فوق رأسه ورأس من فيه. ولكن هل خرج الصهاينة من ذلك كله بضرورة الانسحاب وإقامة دولة؟ كلا، فالمستوطنات المسلحة يستحيل تصفيتها ـ كما يقول بيريز ـ وإلا قامت حرب أهلية داخل إسرائيل. وإذا كانت هذه المستوطنات تجعل ما بقي من أرض للعرب أشبه بالجزر المنعزلة عن بعضها البعض، وإذا كانت السيطرة على هذه الجزر تظل في يد إسرائيل تحت قناع إدارة الحكم الذاتي الفلسطينية، فإن بيريز يضيف الحدود "المطاطية الطرية" لأي كيان فلسطيني، ولذا لا معنى لتعيين حدود ثابتة مع الأردن أو مع إسرائيل، تقيد الدخول أو الخروج إلى المناطق العربية فيما بقي من غزة والضفة الغربية.
باختصار، إنهم يرون علاج المشكلة الفلسطينية (التي هي قلب الصراع) من خلال تصفيتها عملياً، وليس من خلال إيجاد أيِّ تنازل معقول فيها. ومع ذلك، فحتى هذه الأفكار الغريبة التي أوردها بيريز تعتبر عظيمة بالنسبة لما يجري الآن، فغني عن البيان أن اتفاق غزة أريحا أثار السخرية المرة، وكان يقل كثيراً عما كتبه بيريز. ومع ذلك، فحتى هذا الاتفاق لم يكن ينفذ حين كان بيريز يتحدث عن ضرورة الانطلاق نحو «الشرق الأوسط الجديد» باعتبار أن المشكلة الجوهرية (المشكلة الفلسطينية) قد حُلت فعلاً!