على أية حال، قد تكون مقاصد الصهاينة حول الشرق الأوسط الجديد أكثر وضوحاً إذا اعتبرنا الترتيبات الخاصة مع الأرض والكيان الفلسطيني الهلامي نموذجاً لعلاقات المستقبل. ويمكن أن نكتفي هنا بقصة القناة بين البحرين الأبيض والميت. هذه القناة تؤدي إلى تبوير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على ضفتي نهر الأردن، الأمر الذي قد يهدد المنشآت الصناعية العربية في تلك المواقع، كما يؤدي إلى خفض نسبة المعادن في البحر الميت، ويؤثر على استخراج الملح منه وعلى مشاريع أردنية حيوية مثل استخراج البوتاس والنحاس والكبريت. وإلى جانب هذا فإن زيادة ضخ الماء من المتوسط (الأعلى سطحاً) إلى الميت (الأقل منسوباً) ستؤدي إلى زيادة الضغط على قاعه، وهو ما يسميه الجيولوجيون «الضغط العمودي» . ويعني هذا خلخلة ديناميكية ربما ولَّدت هزات أو انكسارات أرضية أو انفجارات بركانية، حيث يقع البحر الميت في منطقة قشرتها الأرضية مضغوطة وتُسمَّى «الأخدود الانهدامي الكبير» .
ومعروف أن إسرائيل حاولت في الماضي أن تستفيد من احتلالها الضفة الغربية لكي تشرع في تنفيذ مشروعها، فتصدت لها الجامعة العربية والوفود العربية في الأمم المتحدة حتى طالبت الجمعية العامة بالتوقف فوراً عن تنفيذ المشروع، لأنه إذا اكتمل سيُلحق بحقوق الشعب الفلسطيني والأردني ومصالحهما الحيوية المشروعة أضراراً مباشرة لا سبيل إلى إصلاحها. وفي الأعوام ١٩٨٢ و١٩٨٣ و١٩٨٤ اتخذت الجمعية العامة الموقف نفسه.
ثم فجأة صدر اتفاق غزة ـ أريحا، ونص في الملحق الرابع على إنشاء قناة البحر الأبيض (غزة) ، البحر الميت. رغم كل ما رآه في السابق الخبراء العرب وصدقته الجمعية العامة للأمم المتحدة. هل كان ممكناً أن ينص الاتفاق على هذا المشروع لو كانت العلاقة ندية بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين؟ أو إذا كانت القرارات تصدر بالتراضي لتحقيق المصالح المشتركة؟