وإذا حاولنا تصوُّر نقط الطيف المختلفة لقلنا إن «السياسة العليا» للدولة هي السياسة التي تعبِّر عن العقد الاجتماعي السائد في المجتمع وعن ثوابته وأيديولوجيته وأهدافه الكبرى ورؤية النخبة الحاكمة (التي تقبلها غالبية أعضاء المجتمع) للأرض والشعب والحدود وهوية العدو وهوية الصديق.
تأتي بعد ذلك «الإستراتيجية العليا» وهي الخطط العامة المدروسة التي تعالج الوضع الكلي للدولة من خلال الاستخدام الأمثل لجميع مصادر القوة المتاحة حتى يتسنى تحقيق الأهداف الكبرى لهذه الدولة، وتنسيق جميع إمكاناتها الاقتصادية والبشرية (أي القوة القومية) لتلبية أهداف الأمن القومي، كما حددته السياسة العليا، ضمن كل الظروف الممكن تصوُّرها، سواء في حالة الحرب أو السلم. ففي حالة السلم يكون هدف الإستراتيجية العليا دعم القوى المعنوية، وتنظيم توزيع الأدوار بين مختلف المرافق، والحفاظ على تماسك المجتمع ضد الظواهر الداخلية التي قد تهدد هذا التماسك (ظاهرة المخدرات في الولايات المتحدة ـ الهجرة غير الشرعية في كثير من المجتمعات الأوربية) .
أما «الأمن القومي» لأية دولة فهو دفاع ووقاية ضد الأخطار الخارجية مثل وقوع الدولة تحت سيطرة دولة أخرى أو معسكر أجنبي أو اقتطاع جزء من حدودها أو التدخل في شئونها الداخلية لتحقق دولة خارجية صالحها. وفي حالة الحرب هو الذي يحدد أعضاء التحالف المشترك في الحرب بقصد تحقيق الهدف السياسي للحرب وهو الذي يخطط للسلم الذي يعقب الحرب. وبهذا المعنى فمفهوم الأمن القومي مفهوم متعدِّد الأبعاد يمثل نواحي عسكرية واقتصادية واجتماعية.