وتتمثل الإستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع هذه الدوائر في العمل على منع التقائها أو تعاونها لما يشكله مثل هذا التعاون من خطورة على الأمن الإسرائيلي، نظراً للإمكانات الضخمة التي تملكها كل دائرة إذا ما تعاونت مع غيرها. ولذا تصر إسرائيل على ضرورة مواجهة كل دولة عربية على حدة سواء في الحرب أم في السلم. ومن هنا تصوُّر إسرائيل للعالم العربي باعتباره "المنطقة"، أي منطقة جغرافية لا يربطها رابط تاريخي تنقسم إلى دويلات صغيرة تتنازعها الانقسامات الطائفية بحيث تصبح هذه الدويلات الطائفية فاقدة لكل عناصر القوة وبشكل تقع فيه تحت السيطرة الإسرائيلية. والخطط الإسرائيلية المستقبلية بهذا الشأن.
١ ـ التعامل مع الدائرة الأولى (الهلال الخصيب) :
أ) كانت الإستراتيجية الإسرائيلية في الماضي تهدف إلى احتلال الأردن وتجزئته ونقل السلطة فيه للفلسطينيين وتهجير عرب الضفة وغزة للسكن فيه للتخلص من الكثافة العربية في الأرض الفلسطينية. ولكن الإستراتيجية الآن هي تحييد الأردن وكسبه لصف إسرائيل والتلويح بالمكاسب الاقتصادية حتى يشارك الأردن في عملية حصار الفلسطينيين واستيعابهم داخل أي إطار سياسي اقتصادي، ليتحولوا من قوة ذاتية داخل التشكيل الحضاري العربي إلى مجموعة بشرية مشتتة ذات توجُّهات اقتصادية ضيقة مباشرة.
ب) كانت الإستراتيجية الإسرائيلية في الماضي ترى ضرورة تجزئة لبنان إلى خمس مقاطعات: درزية في الشوف، ومارونية في كسروان، وشيعية في الجنوب والبقاع، وسنية في طرابلس، ودولة سنية أخرى في بيروت. وستكون هذه التجزئة كسابقة للعالم العربي وبداية المسيرة في هذا الاتجاه.