وفي محاولة تفسير هذا الوضع، يذهب بعض الدارسين إلى أن تجربة الإبادة النازية قد تركت أثراً عميقاً في الوجدان اليهودي والإسرائيلي بحيث تَجذَّر الخوف من الإبادة في الوجدان وأصبح شيئاً من قبيل العقدة التاريخية أو العقد النفسية الجماعية المتجذرة في العقل الجمعي اليهودي رغم زوال العناصر الموضوعية. وقد يكون لهذا التفسير بعض المصداقية، وبخاصة أن الصهاينة والإعلام الغربي قد حوَّلوا الإبادة النازية ليهود الغرب إلى ما يشبه الأيقونة التي لا علاقة لها بالزمان أو المكان وجعلوها مركز ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» . ويرى البعض أن عقلية الحصار هي بعض بقايا ورواسب الوجود في الجيتو اليهودي في أوربا، وأن يهود أوربا (وبخاصة شرق أوربا) عاشوا عبر تاريخهم لا سيادة لهم ولا يشاركون في أية سلطة، معرضين دائماً لهجوم الأغيار عليهم.
وبسبب هذا الهاجس الأمني وعقلية الحصار تؤكد إسرائيل دائماً أنها قلعة مسلحة لا يمكن اختراقها، قوة لا تقهر، قادرة على الدفاع عن نفسها وعلى البطش بأعدائها، ولكنها مع هذا مهددة طيلة الوقت بالفناء (ومن هنا أسطورة ماسادا وشمشون) .
ونحن نرى أن كل هذه الأسباب قد تفسر حدة الهاجس الأمني وعقلية الحصار ولكنها لا تفسر سبب وجوده وتجذره. ونحن نذهب إلى أن الهاجس الأمني قد يكون حالة مرضية ولكنه في نهاية الأمر ثمرة إدراك عميق وواقعي (واع أو غير واع) من جانب المستوطنين الصهاينة لواقعهم.