ويمكن أن نقول نفس الشيء عن العنصر الوظيفي القتالي (المرتزقة) ، فهذا العنصر كي يؤدي وظيفته، وهي قتل أعداء سيده الذي يدفع أجره، عليه أن يتسم بالحياد والموضوعية والقسوة، وعليه ألا يمارس تجاههم أي إحساس بقدسيتهم وحرمتهم حتى يمكن له أن يقتلهم بشكل آلي محايد بارد. فهو إن مارس تجاه ضحيته بعض مشاعر الحب أو البغض وأحس بأنها تقع داخل نطاق المحرَّم وتتمتع بشيء من القداسة، فإنه لن يقوم بعمله بشكل آلي وهو ما قد يؤدي إلى تدمير جهازه العصبي إما لأنه سيحاول أن يكبح مشاعر الحب والشفقة أو لأنه سينغمس في مشاعر الكره والانتقام. كما أن المرتزق، لو كان عضواً في المجتمع، سيؤدي إلى تفكُّكه لأنه سيكون موضع حب من يكرهون الضحية وموضع كره من يحبونها، وهي درجة من الحرارة لا يستطيع المجتمع أن يحتفظ بتماسكه معها. ويسري نفس المنطق على المهن المشينة، مثل مهنة البغاء. فمهنة، كهذه، تتطلب ولا شك قدراً كبيراً من الموضوعية والحياد والانفصال عن المجتمع حتى يتمكن الإنسان من تحويل جسد إنسان آخر إلى مجرد آلة أو أداة، وهذا أمر عسير جداً في إطار الترابط الاجتماعي والألفة والإيمان بقداسة الجماعة التي ينتمي إليها المرء، فالآلة لابد أن تكون الغريب الذي لا حرمة له ولا قداسة حتى يمكن استخدامها واستعمالها والانتفاع بها (أي حوسلتها) . كما أن البغي إن مارست عواطف الحب والكره أثناء ممارستها وظيفتها فإنها تُستهلَك تماماً، ومن ثم كانت البغايا في معظم المجتمعات التقليدية يتم استيرادهن من الخارج (الإثيوبيات في معظم بلاد أفريقيا ـ اليونانيات والإيطاليات في مصر ـ اليهوديات من منطقة الاستيطان في روسيا القيصرية) . وحتى حين كانت البغايا يجندن من العنصر السكاني المحلي، فإنهن عادةً ما كنّ يرتدين أزياء خاصة ويَقْطن أحياءً خاصة حتى يتم الحفاظ على المسافة بينهن وبين المجتمع ككل. بل من الطريف أن البغايا في السودان مثلاً، حتى إن كنّ من أصل