وأزمة الصهيونية، رغم بنيويتها، تزداد حدة وانفراجاً حسب الظروف التاريخية. ونحن نذهب إلى أن الأزمة تفاقمت بعد "انتصار" ١٩٦٧ وهو ما حوَّله إلى عملية انتشار. ولأن طبيعة الأزمة بنيوية فلا يمكن حلها إلا عن طريق تغيير البنية نفسها، أي العلاقات التي تأسَّست في الواقع. ونحن نذهب إلى أن صهيونية الدولة (أو يهوديتها المزعومة) هي أساس عنصريتها وبنية التفاوت والظلم التي تأسَّست في فلسطين، ومن ثم فلا سبيل لحل الأزمة إلا عن طريق نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية.
الأزمة الصهيونية وبنية الأيديولوجية الصهيونية
Crisis of Zionism and the Structure of Zionist Ideology
تعود الأزمة الصهيونية إلى عدة أسباب بنيوية تنصرف إلى صميم المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي. ولكن ثمة سمات تتسم بها بنية الأيديولوجية الصهيونية نفسها ساعدت على تفاقم الأزمة نذكر منها ما يلي:
١ ـ ثمة مسافة بين أقوال أي إنسان وأفعاله، فالقول الإنساني بطبيعته لا يتفق تماماً ولا يتطابق مع الفعل الإنساني. ولكن في حالة القول الصهيوني نجد أن المسافة التي تفصله عن الواقع شاسعة حتى يصبح القول كله (أحياناً) ديباجة لا علاقة لها بأي واقع، فهي تهدف أولاً وأخيراً إلى التبرير والتسويغ. ويعود هذا إلى أن الصهيونية لم تنبع من واقع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وإنما هي صيغة أساسية توصلت لها الحضارة الغربية في عصر نهضتها وبداية تجربتها الاستعمارية الاستيطانية للتعامل مع الجماعات اليهودية ففرضتها عليها ثم تبنتها هذه الجماعات، أي أن حالة التبعية أو الذيلية الصهيونية للعالم الغربي ليست مسألة تنصرف إلى أمور السياسة والاقتصاد وإنما إلى بنية الأيديولوجية نفسها وأصولها الحضارية والفكرية.