٦ ـ ثمة تناقضات عديدة داخل القول الصهيوني نفسه، فالتناقض ليس بين القول والفعل وحسب وإنما بين قول صهيوني وآخر، فدعاة القول الصهيوني لم يتفقوا فيما بينهم على الحد الأدنى فيما يتصل بكثير من القضايا النظرية الأساسية (حدود الدولة ـ الهوية اليهودية ـ موقفهم من يهود العالم) وإنما اتفقوا على الحد الأدنى من الفعل وحسب (نقل بعض يهود العالم إلى فلسطين وتوظيفهم داخل إطار الدولة الوظيفية) .
كل هذه السمات البنيوية في الأيديولوجية ساهمت في تفاقم الأزمة، إلا أن السبب الأساسي لها يظل أنه حين وُضعت هذه العقيدة الصهيونية موضع التنفيذ أفرزت الكثير من المشاكل بعضها خاص بالمستوطن الصهيوني ويهود العالم، والبعض الآخر خاص بالفلسطينيين (فيما نسميه «المسألة الفلسطينية» ) . وحسب تصوُّرنا لا يوجد حل داخل إطار الأمر الواقع الصهيوني لأيِّ من هذه المشاكل. وقد تفرز الصهيونية حلولاً يمينية صلبة (الصهيونية الحلولية العضوية) أو يسارية سائلة (صهيونية عصر ما بعد الحداثة) ، ولكنها حلول لا تتوجَّه إلى جذور المشكلة.
وأزمة الصهيونية متشابكة تتداخل فيها أسباب مع الأخرى وكذلك الأسباب والنتائج والأيديولوجية والواقع. ومع هذا لضرورات تحليلية سنقسِّم أوجه هذه الأزمة (في إطار الشرعية الصهيونية) إلى أربعة أقسام نتناول كل قسم في مدخل مستقل أو في عدة مداخل:
١ ـ إشكالية الديني والعلماني.
٢ ـ أزمة الهوية.
٣ ـ الأزمة السكانية والاستيطانية.
٤ ـ تفكُّك الأيديولوجية الصهيونية من خلال تصاعُد النزعات الاستهلاكية (والعلمنة والأمركة والعولمة والخصخصة) .