والأمر نفسه يسري على المشتغلين بمهن متميِّزة، فالإنسان المتميِّز يتمتع برهبة غير عادية تحيط به الهالات. والخبرات النادرة التي يمتلكها الإنسان المتميِّز تجعله يقترب من السحرة والكهنة الذين يقفون على حدود الطبيعة على علاقة بعالم الغيب وما وراء الطبيعة، يحاولون الحصول على المعرفة من خلال هذه العلاقة للسيطرة على الطبيعة. وإن تَحوَّل المشتغلون بمثل هذه الوظائف إلى مثل يُحتذَى، فإنهم سيُولِّدون قدراً عالياً من التوتر في المجتمع، الذي يتطلب دورانه اليومي وجود عدد من الناس يدخلون في علاقة تتسم بحد أدنى من التراحم والمساواة. ولذا لابد من عزلهم. والإنسان المتميِّز (الطبيب ـ الكاهن ـ الساحر) ، إن أصبح إنساناً عادياً مساوياً للآخر، لن يحتفظ بهيبته ولن يتمكن من أداء وظيفته التي تتطلب قدراً من الانفصال عن مجتمع الأغلبية والتعالي عليه.
ومن أطرف الأمثلة على الجماعات الوظيفية المهنية المتميِّزة لجوء بعض المدن الإيطالية لاستجلاب قضاة غرباء لضمان حيادهم وموضوعيتهم. ولعل استمرار رجال القضاء في إنجلترا (وغيرها من الدول) في ارتداء الشعر المستعار هو محاولة من جانبهم لأن يحتفظوا بمسافة بينهم وبين المجتمع، شأنهم شأن الجماعة الوظيفية التي تتمتع بالحياد والتجرد والموضوعية. ولا يزال حكام مباراة كرة القدم غرباء متعاقدين، فالحكم المحايد أداة أساسية لا يمكن أن تتم المباراة بدونها، مع أنه هامشي إذ لا تمس قدماه الكرة.
وباختصار شديد، يمكن القول بأن تَركُّز الحياد والدنس والتعاقد في جماعة بشرية هامشية يعني أن بقية أعضاء المجتمع المضيف يمكنهم التمتع بالدفء والتراحم، وأن تَركُّز التَميُّز في مجموعة هامشية أخرى يعني خفض حدة التوتر الاجتماعي، وأن تَركُّز الشين في مجموعة ثالثة يعني أن المجتمع سيتمتع بطهره الأخلاقي والفعلي المادي.