وقد قام مفكر ديني إثني آخر، هو جويل فلورشايم، بتحليل ديباجة وثيقة إعلان إسرئيل، فقال إن ما جاء فيها ليس مقصوراً على الشعب اليهودي وإنها ليست إلا تعبيراً عن رغبة الصهاينة في تطبيع اليهود وتاريخهم. ثم يقوم فلورشايم بإظهار زيف مقولات الديباجات العلمانية الواحدة تلو الأخرى. فالشعب اليهودي لم يُولَد في إرتس يسرائيل ـ كما جاء في الديباجة ـ وإنما في مصر وفي الصحراء، وهويته الروحية والدينية والقومية تمت صياغتها في المنفى، خارج أرض إسرائيل. ومثل هذه الديباجات، حسب تصوُّره، إن هي إلا بقايا عصر الانعتاق والاستنارة، ولابد من العودة إلى الجذور، إلى الخطاب الإثني الديني، أي إلى اليهودية، لأن التخلي عن اليهودية (كما يفهمها هارولد فيش) وعن القيم اليهودية والعقائد اليهودية، وإحلال الديباجة العلمانية محلها، هما اللذان أديا إلى فقدان اليهود احترامهم لأنفسهم وإلى فشل الصهيونية في علاج الروح.
ولكن كانت هناك دائماً محاولات داخل الصهيونية تتجاوز هذه الازدواجية الانشطارية (حسب تعبير كوك) وصولاً إلى الواحدية الصهيونية. ويرى هارولد فيش أن ثمة خطاً أساسياً يجمع كتابات هس وجوردون (مُنظِّرا الصهيونية العمالية) وبوبر (مُنظِّر الصهيونية الثقافية) وكوك (مُنظِّر الصهيونية الدينية) . هذا الخط هو إيمانهم بأن الصهيونية الحقة لا تُفرِّق بين الدين والتاريخ اللذين يصبحان في كتابات هؤلاء المفكرين شيئاً واحداً، والمنظور وغير المنظور يمتزجان في وحدة مثالية تتجاوز الواقع. وجوهر الصهيونية، حسب تصوُّر فيش، كامن وراء بعث مقولة القداسة في الحياة الخاصة والعامة. فالصهيونية، من هذا المنظور، هي شكل من أشكال الواحدية المقدَّسة.