ويذكر هارولد فيش أن مبدأ الحوار عند بوبر (الحلولي العلماني) هو أدق فكرة لوصف الصهيونية الجديدة، وأن مشكلة بوبر تكمن في أنه لم يهتم كثيراً بعالم السياسة بسبب تَوجُّهه الوجودي، فقلَّص مبدأه وقصره على العالم الفردي رغم أن نسقه الفكري يتضمن عالم التاريخ والسياسة. وهذا ما يفعله فيش والصهاينة الجدد، فهم يطبقون مبدأ الحوار على كل مجالات الحياة العامة والخاصة. ولعله كان ينبغي، انطلاقاً من هذا، أن نسميها «الصهيونية الحوارية» . ولكننا نرى أن تسميتها «الصهيونية الحلولية العضوية» أكثر دقة لأن الصورة المجازية العضوية، بشكلها المادي (كما عند آحاد هعام) ، والحلولي (كما عند كوك) ، ترد في كتابات كل الصهاينة بشكل جزئي إلى أن تصل إلى تحقُّقها الكامل في هذه الصهيونية الجديدة. كما أن هذه الصورة المجازية محورية في كتابات بوبر، وما الحوار سوى شكل من أشكال الوحدة العضوية وتعبير عن الحلولية. كما أننا حينما نصفها بأنها «صهيونية حلولية عضوية» فإنما نعني أنها صهيونية صفّت كل الازدواجيات والانشطارات، وملأت كل الفراغات، وسدّت كل المسافات، وربطت بين المقدمات والنتائج، وطهَّرت الصيغة الصهيونية تماماً من الشوائب، بحيث أصبح الشكل ملتحماً بالمضمون وأصبحت القومية هي الدين وأصبح الدين هو القومية. وهي، فوق هذا، لا تبحث لنفسها عن تبرير خارج نفسها من خلال أية ديباجات غير يهودية، وإنما تتخذ شكلاً دائرياً ملتفاً حول نفسه مكتفياً بذاته، فالدال هنا هو نفسه المدلول. ويُفسِّر هذا الوجود العضوي سر عزلة هذا الشعب وسر نبذ الشعوب الأخرى له. ولعل العضوية (والحلولية) الكاملة تظهر في شعار الجماعات السياسية التي تحاول ترجمة الفلسفة الصهيونية الجديدة إلى ممارسة: "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل تبعاً لتوراة إسرائيل" وهي عبارة كان يرددها موشي ديان العلماني! ولنتأمل العضوية والحلولية، فالأرض والشعب (التربة والدم) مرتبطان بسبب التوراة التي