وفي داخل هذا الإطار العضوي الحلولي المتسق مع نفسه، المتناسق مع مقدماته، المكتفي بذاته، الذي لا يكلف نفسه الإشارة إلى ما هو خارجه، تكتسب الأطروحات الصهيونية التقليدية بُعداً مدهشاً جديداً. فالتاريخ اليهودي ليس تاريخاً عادياً، وكذلك القومية اليهودية ليست قومية عادية (كما كان يدَّعي هرتزل وأتباعه) ، وإنما هو كيان فريد. والشعب اليهودي ليس شعباً عادياً مثل كل الشعوب وإنما هو شعب إلهي المصدر. ويحلو لأتباع هذا الاتجاه أن يقتبسوا كلمات بلعام العراف الذي دعاه ملك مؤاب ليلعن العبرانيين القدامى عند اقترابهم من مملكته، فقال:"هو ذا شعب يسكن وحده. وبين الشعوب لا يُحسَب"(عدد ٢٣/٩) . ويمكن ترجمة ذلك إلى:"هو ذا شعب عضوي مقدَّس لا يختلط بالشعوب الأخرى ولا يندمج معها ولا يُحسَب بين الشعوب، فهو منبوذ". فعزلة اليهود هي الشيء الطبيعي، ففي أعماق اليهودي تُوجَد جذور القلق، ولذا فهو يسبب القلق للعالم كله ولا يعطيه أي سلام، وهو (كجسم غريب) يشبه الخميرة التي توضع في المادة فتغيِّرها دون أن تتغيَّر هي. ومن ثم فإن معاداة اليهود والرغبة العارمة في نبذهم ليستا ظاهرتين اجتماعيتين يمكن شفاء الأغيار منهما، وإنما هما تعبير طبيعي عن وجود إسرائيل الغريب الذي يحدده الميثاق. إنهما اعتراف بسر إسرائيل وثناء عليها.
وقد فسَّر الحاخام يهودا عميتال (رئيس إحدى المدارس الدينية) أهداف الصهيونية كما تحددها الفلسفة الجديدة بقوله: "إن الصهيونية لا تبحث عن حل لمشكلة اليهود من خلال تشييد دولة يهودية وإنما من خلال تشييد دولة هي أداة في يد الخالق الذي يعد شعب إسرائيل للخلاص ... وليس هدف هذه العملية تطبيع شعب إسرائيل ليصبح أمة مثل كل الأمم، وإنما ليصبح شعباً مقدَّساً، شعب الله الحي".