وهكذا تكون الصهيونية العضوية الحلولية قد زودت المستوطن الصهيوني بإطار إدراكي يعقلن عزلته الكاملة، ويبرر بطشه وسطوته وغزوه ووحدته، بحيث يجعل حالته هذه استمراراً لما كان واستعداداً لما سيكون وتحقيقاً للرؤى التوراتية. إن المستوطن الذي بنى بيته بجوار البركان، ويحيا في خطر دائم، يمكنه أن يسوغ موقفه بخلع القداسة على نفسه، بحيث يرى نفسه أداة من أدوات الخلاص وجزءاً من عملية إلهية ضخمة لا يمكنه التحكم فيها، بنفس طريقة الجندي الغربي الذي كان يعقلن وجوده في غابات أفريقيا الحارة السوداء على أساس لون جلده الأبيض والأعباء الأخلاقية الناجمة عن ذلك. وبذا، تكون الصهيونية العضوية قد صفّت أية ثنائية، وأسكتت أية تساؤلات، وجردت المستوطن الصهيوني من أية إنسانية متعينة، وخلعت عليه قداسة تحرمه من وجوده الإنساني الحق، وبذا تكون الصيغة الصهيونية الأساسية الغربية التي لم تر اليهودي إلا على أنه شيء أو سلعة قد تحققت تحققاً كاملاً، كما يكون أعضاء المادة البشرية قد استبطنوا الرؤية تمام الاستبطان.
ويقول هارولد فيش إن الصهاينة أخيراً قد بدأوا يكتشفون سر القداسة وحلم الخلاص والتفرُّد ومغزى الوعد الإلهي والميثاق مع الرب. وهو يرى أن جماعة جوش إيمونيم هي أول تنظيم سياسي يحمل أيديولوجية الصهيونية الجديدة، الصهيونية التي أدركت ذاتها. وقد يكون فيش محقاً في هذا من الناحية الإمبريقية المباشرة، لكن يمكن القول بأن النموذج الكامن وراء الصهيونية الجديدة هو أيضاً النموذج الكامن وراء فكر ما يُسمَّى «اليمين الإسرائيلي» بغض النظر عن الانتماء الديني، فما يهم في الإطار الحلولي هو الشعب والأرض وليس الإله، ولذا يستطيع شارون الملحد، ونتنياهو صاحب الفضائح العامة والخاصة، أن يتحركا في إطار النموذج نفسه، نموذج الحلولية الصلبة، حيث يقف اليهودي المقدَّس في أرضه المقدَّسة ويواجه كل الأغيار.