وإذا كانت عبارة «ما بعد الأيديولوجيا» تعني نهاية الأيديولوجيات فإن عبارة «ما بعد الصهيونية» تعني في واقع الأمر «نهاية الصهيونية» ، فالقصة الصهيونية الكبرى الأصلية قد حل محلها أثر أو صدى وقصص صغيرة، إذ أن كل رأس صغير (روش قطان) يعيش داخل قصته الصغيرة.
وقد عبَّر هذا عن نفسه في التكاثر المفرط للمصطلحات التي تُستخدَم للإشارة إلى الصهيونية (بقصصها الصغرى الكثيرة) وهو ما يدل أيضاً على انفصال الدال عن المدلول، فهناك عدة دوال ( «الصهيونية التقنية» - «الصهيونية اللوكس» - «صهيونية الصالونات» - «الصهيونية الفورية» ) تحاول كلها أن تشير إلى المدلول دون نجاح كبير. ولعل اصطلاح «الصهيونية المكوكية» قد يصلح دالاً على الحالة الصهيونية، التي لم يَعُد لها مركز، ومن ثم قد يكون من الأفضل أن نشير لها باعتبارها «الصهيونية الإنزالاقية» أو «الصهيونية المفكَّكة» (بالإنجليزية: ديكونستركتد deconstructed) ، فالصهيونية حركة تفكيكية، قامت بتفكيك كل من العرب واليهود ونقلهم من أوطانهم الأصلية إما إلى فلسطين أو خارجها. ولكنها بعد تفكيك الآخر، تفكَّكت هي نفسها بفعل العوامل التاريخية، وهي على كل كانت تحوي جرثومة فنائها وتفكُّكها من البداية حين استندت إلى دال بلا مدلول: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
والصهيونية الحلولية العضوية هي محاولة لحل الأزمة عن طريق خلع القداسة على الذات اليهودية بحيث تصبح هي مصدر القداسة الإطلاق ومركز الكون، مكتفية بذاتها ومرجعية ذاتها. وتصبح الأرض المقدَّسة، بحكم قداستها أرضاً بلا شعب، ويصبح اليهود، الشعب المقدَّس، بحكم قداستهم شعباً بلا أرض. ولا تكتمل الحلقة إلا بأن يعيش الشعب المقدَّس في الأرض المقدَّسة ويحل فيهم الإله وتسري القداسة في كل شيء ويتجسَّد اللوجوس مرة أخرى ومن ثم يمكن ممارسة العنف الصهيوني وتبريره على هذا الأساس.