للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنظام العالمي الجديد هو إعادة إنتاج للرؤية المعرفية العلمانية الشاملة في أواخر القرن العشرين، ومن ثم فهو ينطلق من مرجعية واحدية مادية ترى العالم بأسره (الإنسان والطبيعة) باعتباره مادة استعمالية. وقد أدت هذه الرؤية - في نطاق النظام العالمي القديم - إلى ظهور ثنائية الأنا والآخر، والمستعمل والمستعمَل، التي دفعت الإنسان الغربي إلى غزو العالم والهيمنة عليه واستهلاكه. ولكن مع تراجُع الهيمنة والمركزية الغربية وظهور عوامل التماسك والمقاومة في العالم الثالث (حركات تحرُّر داخلي) وجنباً إلى جنب مع عوامل التفكُّك والتآكُل (عولمة النُخَب السياسية والثقافية الحاكمة - فسادها وإفسادها - تصاعد التطلعات الاستهلاكية - تآكل الدولة القومية - السوق والشركات متعددة الجنسيات - تراجع الإحساس بالخصوصية ... إلخ) ، وجد الغرب فرصة سانحة لأن يحل إشكالية عجزه عن المواجهة العسكرية والهيمنة الصريحة عن طريق اللجوء للإغواء والتفتيت والتفكيك والالتفاف، وأن يستمر في تأكيد الأنا الغربية على حساب الآخر بآليات جديدة خفية من أهمها استخدام النخب السياسية والثقافية المحلية كآليات للقمع والإرهاب. فطرح النظام العالمي الجديد مجموعة من الديباجات الرائعة التي يكمن وراءها نموذج مادي واحدي ينكر التاريخ والإنسان ويؤدي إلى نهاية كلٌّ منهما. وصهيونية عصر ما بعد الحداثة هي صهيونية النظام العالمي الجديد، التي تحاول أن تتغلغل وتفرض قصتها الصغرى على عالمنا العربي بقوة الإغواء والإغراء والسلاح المخبُّأ بعناية فائقة، بحيث لا تراه عين.

<<  <  ج: ص:  >  >>