وقد تُنصَح إسرائيل بالتخلي قليلاً عن لونها اليهودي الفاقع وسياستها الشوفينية الواضحة. والصهيونية، على كلٍّ، أيديولوجيا تابعة تبنت دائماً أحدث الديباجات الغربية. ولذا، فإن صهيونية عصر ما بعد الحداثة، حيث لا ترتبط الدوال بالمدلولات، تصبح صهيونية عنصرية تتسم بالمرونة، توسعية تتسم بسعة الأفق، استبعادية مستعدة للدخول في حوار، وهي صهيونية قادرة على تفهم مطالب الفلسطينيين "المشروعة"(مثل الحاجة إلى فرق مطافئ وفرق فنون شعبية ومجموعة موتوسيكلات وبعض السلع الاستهلاكية) . وإسرائيل لا دينية مرنة واقعية يمكنها أن تلعب دوراً فعالاً فى المنطقة، ويمكنها أن تدخل تحالفات مع النخب الحاكمة العربية (التي يدَّعي بعضها العروبة ويدَّعي البعض الآخر منها الإسلام) دون أن تسبب حرجاً لهم. كما أن مرونتها، وما قد تقدمه من تنازلات حقيقية وشكلية، سيعطي مصداقية للنخب الحاكمة ولكل من يتحدث عن الشرعية الدولية وعن النظام العالمي الجديد كآلية لنشر السلام والعدل فى ربوع الأرض. وأخيراً ستمكِّنها مرونتها وتَفكُّكها أن تلعب دوراً في عملية تحويل العالم العربي إلى سنغافورة، وإن كان الاحتمال الأكبر أن القطار المسرع المتجه إلى سنغافورة سيتوقف في الفلبين أو ربما في شرق أوربا حيث سقطت الأطر القومية والعَقَدية فتحوِّل الإنسان إلى ما يشبه البروتين الحيواني (أو الإنساني فالبروتين هو البروتين، لا تاريخ له، تماماً مثل السوق) . وأصبح قادراً على بيع كل شيء، والتفاوض بشأن أي شيء.