للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا، على كلٍّ، ما أدركه العرب منذ البداية، فرغم كل البيانات الصهيونية المعقولة عن السلام والحوار والتفاوض والأخوة العربية اليهودية والأخذ بيد العرب، كان العرب يعرفون أن الصهاينة قد رفضوا أن يستقروا في المنطقة باعتبارهم رعايا عثمانيين وأصروا على أن يأتوا تحت راية الاستعمار الإنجليزي ورماحه وبمساعدة جيوشه وبوارجه، وأن وعد بلفور قد منحهم فلسطين، وأشار بشكل عابر إلى حقوق «الجماعات غير اليهودية» ، أي أن الصياغة اللفظية نفسها لوعد بلفور قد قامت بتهميشهم وتغييبرهم على مستوى المخطط، ولم يبق سوى التنفيذ والممارسة. ولم يكن العرب غافلين عن المفاهيم الصهيونية مثل العمل العبري أو عن المؤسسات الصهيونية مثل الكيبوتس والهستدروت والهاجاناه التي تستبعدهم وتستعبدهم وتُغيِّبهم. وفي علاقاتهم اليومية مع مؤسسات حكومة الانتداب كانوا يعرفون أن بوابات وطنهم قد فُتحت على مصراعيها ليهود الغرب ليستوطنوا فيه، كما كانوا يدركون أنه بغض النظر عن نوايا بعض الصهاينة الطيبة وبغض النظر عن إدراكهم لطبيعة المشروع الصهيوني وطبعية المقاومة العربية فإن الواقع الذى كان آخذاً في التشكُّل كان واقعاً صراعياً، فالصهاينة كانوا يهدفون دائماً إلى زيادة عدد اليهود في فلسطين وإلى إقامة كيان اقتصادي اجتماعى (عسكري) منفصل، وفي نهاية الأمر مهيمن.

وقد تنبأ نجيب عازوري، هذا المؤلف الفلسطيني العربي المسيحى الذي كانوا من أوائل من أدرك حقيقة ما يحدث «بأن الصراع سيستمر إلى أن يسود طرف على الآخر» . وهذا الرأي ليس رأياً متشائماً ينكر المثاليات، وإنما هو رأى واقعى تشكل في ضوء الطموحات والممارسة، وفي ضوء ما حدث في الواقع بالفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>