إن عودة الفلسطيني بكل هذه القوة لابد أنه يزيد أزمة الشرعية الحقيقية للمجتمع الصهيوني، أي أزمة الوجود، ولابد أن ذلك يفضح الأكذوبة الأساسية التي تزعم أنه لا يوجد عرب. وقد كان هذا الإدراك الصهيوني المتحيز إدراكاً يسانده العنف والقوة. وحيث إن المؤسسة العسكرية الصهيونية نجحت طوال هذه الأعوام في قمع العرب، فإن عملية التغييب استمرت حيث كانت المؤسسة العسكرية تُصدر التصريحات المختلفة عن عدم وجود ما يُسمَّى «الفلسطينيين» ، أو أن الفلسطينيين لهم دولة بالفعل هي المملكة الأردنية الهاشمية. ومن المفارقات أنه، مع نجاح عملية التغييب، كان بوسع العدو إظهار شيء من المرونة والاعتدال نحو العرب. وعلى هذا، فإن الاعتدال الصهيوني ليس تعبيراً عن التسامح أو حب الآخر وإنما هو تعبير عن الاطمئنان الصهيوني بشأن غيابه، فهو اعتدال يتم داخل إطار الشرعية الصهيونية التي يقبل بها العربي المغيب ويخضع لها، فيُكافأ على ذلك مكافأة تتناسب طردياً مع مقدار غيبته ومدى قبوله لها. ولكن، إذا ظهر العربي الغائب وأكَّد نفسه، وطرح مشكلة الشرعية الحقيقية والأعمق، أي قضية الوجود الصهيوني نفسه، فإن الاعتدال الصهيوني المزعوم سوف يختفي وتظهر بدلاً منه سياسة القبضة الحديدية.