لقد اعتبر السماح بعودة اللاجئين أحد الشروط التي وضعت لقبول إسرائيل عضواً بالأمم المتحدة عام ١٩٤٨. وثمة إعلان صريح وشهير أصدرته الجمعية العامة تحت رقم ١٩٤ لسنة ١٩٤٨، قررت فيه "أن اللاجئين الراغبين في العودة إلي أوطانهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، يجب أن يُسمَح لهم بذلك، في أول فرصة عملية ممكنة، وأنه يجب تعويض الذين لا يرغبون في العودة عن ممتلكاتهم، ودفع تعويض عن الخسائر والأضرار التي أصابت الممتلكات لإصلاحها وإرجاعها من قبَل الحكومات والسلطات المسئولة، بناءً على القانون الدولي والعدالة.
إن مقولة نسيان الماضي والتطلع إلى المستقبل تزدري العقل الإنساني وتهينه، لأننا لا نعرف إنساناً يمكن أن يَنْسى وطنه لمجرد أن هناك من يدعوه إلى شطبه من ذاكرته. ويبلغ ذلك الإزدراء ذروته إذا صدرت الدعوة من الطرف الإسرائيلي الذي يستمد كل شرعيته من الماضي، ويعتبر قادته أن التوراة كتاب لتسجيل المدن ورسم الخرائط على حد تعبير إسحق رابين.
أما حكاية أن الفلسطينيين لم يعودوا راغبين في العودة، فهي مسألة ينبغي ألا يفترضها أو يفرضها أحد على أحد، وإنما يقررها كل فلسطيني بنفسه. ثم إنها أكذوبة أخرى تعمد إلى التزييف والتضليل، وساكنو المخيمات منذ الأربعينيات شاهد عملي على ذلك. وإذا علمنا أن الذين طردوا وشردوا عام ١٩٤٨ كانوا آنذاك ٨٠٥ ألف شخص، فإن عددهم الآن ونحن على مشارف العام الخمسين للنكبة قد تجاوز أربعة ملايين و٦٠٠ ألف شخص. كل من امتلك منهم شيئاً في فلسطين لا يزال يحتفظ بأوراقه الثبوتية حتى هذه اللحظة، ومنهم من لا يزال يحتفظ بمفاتيح داره وخزائن ثيابه، ويعتبرها مقدَّسات محرَّزة في مكان أمين، بحسبانها حبلاً سُرياً يصلهم بالوطن المنهوب.