جـ) يحس عضو الجماعة الوظيفية دائماً بعدم الأمن وانعدام الانتماء وبأنه يعيش في مسام المجتمع وهامشه لا في صميمه وقلبه، أي بأنه فيه وليس منه، يعمل فيه دون أن يشارك في قراراته، ويؤدي كل هذا إلى زيادة حركيته وتَناقُص ولائه. ويمتد ولاؤه إلى الوظيفة وحسب. وقد عبَّر أحد المؤرخين عن موقف يهود جنوب أفريقيا من وطنهم بأنهم يجلسون دائماً على حقائبهم (استعداداً للرحيل) . وفي تفسير هذا، تُقال العبارة اللاتينية «أوبي بيني أوبي باتريا ubi bene ubi patria» (حرفياً: «أينما تُوجَد مصلحتي يُوجَد وطني» ) أي «المكان الذي يخدم مصلحتي هو وطني» .
د) تؤدي الحركية (والغربة) إلى تَركُّز أعضاء الجماعات الوظيفية في وظائف بعينها في قمة الهرم الإنتاجي، وهي وظائف ذات عائد سريع ومباشر وتتسم بإمكانات النمو وتتطلب رأس مال سائلاً يمكن نقله بسهولة (أحجار كريمة ـ تُحَف ـ معادن ثمينة ـ أدوات إنتاج خفيفة ـ مقدرات عقلية ... إلخ) . ولذا، فإن أعضاء الجماعات الوظيفية لا يعملون عادةً بالتعدين أو الزراعة، وإن عملوا بالزراعة فإنهم عادةً ما يتخصصون في زراعة المحاصيل التي تُزرَع بهدف الاستثمار أو في المحاصيل ذات العائد المباشر، ولا يستثمرون البتة في المشاريع التي تتطلب استثمارات بعيدة المدى، كما أنهم لا يُوجَدون في الوظائف الأساسية في المجتمع ولا في القطاعات الأولية في الإنتاج.
٦ ـ التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع (الحلولية (
أ) يؤمن عضو الجماعة الوظيفية بمجموعة من القيم المطلقة التي تكون مقصورة عليه وعلى جماعته الوظيفية (ازدواج المعايير ومركب الشعب المختار) ، ولكنه في علاقته بالمجتمع لا يؤمن إلا بمتعته ولذته، ولذا فهو قادر على استغلال المجتمع وتوظيفه وحوسلته لصالحه دون أي اعتبار للقيم الأخلاقية الخاصة بالمجتمع (تَمركُز حول الذات) .