هـ) يمكن دراسة البغاء المقدَّس في الديانات الوثنية القديمة باعتباره نقطة تلتقي فيها الرؤية الحلولية الكمونية الكونية والواحدية الوظيفية (أو الحلولية الكمونية الوظيفية) ، فالبغي لم تكن تقوم بوظيفة تُدخل عليها المتعة وإنما كانت مجرد أداة تُستخدَم ووظيفة تُؤدَّى ودور يُلعب، أي أنها أداة في يد المبدأ الواحد والقوة الفاعلة المقدَّسة الكامنة في جسدها، بل إنها كانت رمز الرحم الكوني الأعظم الذي يحاول الإنسان العودة إليه والالتحام به (الذي يصبح الأرض المقدَّسة في المنظومة الحلولية الكمونية الروحية وأرض الأجداد أو تراب الوطن في المنظومة الحلولية الكمونية المادية) . ولذا، فإن أداءها لوظيفتها كان تنفيذاً لواجب مقدَّس يعطي لصاحبتها مكانة اجتماعية مرموقة وتُحقِّق كينونتها من خلال وظيفتها هذه (التمركز حول الذات) . ولكن هذه القداسة الكامنة في جسدها هي نفسها التي تجعلها مجرد أداة محايدة بالنسبة للعابدين، فهم يتواصلون مع المبدأ الواحد (الإله والرحم الكوني الأعظم في حالتهم) من خلالها ولا يكترثون بها ويدفعون لها ما تريد من أموال، أي أنهم يتعاقدون معها (تمركز حول الموضوع) ، ومن ثم يصبح المقدَّس والمُتحوسِّل شيئاً واحداً، بل إن القداسة تغدو سبب الحَوسَلة وتغدو الحَوسَلة علامة القداسة.
٢ ـ العزلة والغربة والعجز:
أ) أعضاء الجماعة الوظيفية الذين يضطلعون بالوظيفة (المقدَّسة) يؤمنون بأنهم هم وحدهم الذين تَكمُن فيهم القداسة، ولذا فلا يمكنهم أن يختلطوا بالآخر، أي أعضاء المجتمع المضيف الذين لا تكمن فيهم أية قداسة، ولابد أن يعزل أعضاء الجماعة الوظيفية أنفسهم من خلال الأسماء واللغة، والمسكن والجيتو، ومن خلال العقيدة الدينية (إن أمكن) . وهكذا تصبح آليات العزل شيئاً شبيهاً بشعائر الطهارة في العقائد الحلولية الكمونية.