لكن الرؤية الحلولية الكمونية التي تُقوِّض ارتباطه بوطنه الحالي وزمانه الحاضر تُعمِّق ارتباطه بوطنه الوهمي وبماضيه وبمستقبله المستقل وبوظيفته المقدَّسة، الأمر الذي يعني تعميق عزلته عن المجتمع وتَزايُد ارتباطه بالجماعة الوظيفية، ومن ثم يُمكِّنه ذلك من أن يظل بمنأى عن السلطة السياسية أو قريباً منها لصيقاً بها يقوم على خدمتها (كعميل وجندي مرتزق ومراب) دون أن يشارك فيها ودون أن تكون له قاعدة قوة في المجتمع. ومع هذا، فإن ثمة جماعات وظيفية تفقد صلتها بالماضي تماماً ولا تملك رؤية للمستقبل، فيعيش أعضاؤها في الحاضر ويحاولون أن يحققوا ذواتهم فيه دون ماض أو مستقبل، وهذا يتفق مع النسق الحلولي الكموني السائل الذي انتشر في العصر الحديث. وبالمثل، فإن رؤية البغايا للواقع تُركِّز في كثير من الأحيان على الحاضر أساساً (ولكن كثيراً من العاهرات يعشن فترة العمالة حتى يمكنهن مراكمة رأس المال اللازم لبدء حياة عادية [بعد التوبة] فيَعُدن إلى القرية أو الوطن الأصلي ويبدأن حياتهن بشكل طبيعي) . ومع هذا، يُلاحَظ أن المتركزين فيما نسميه «قطاع اللذة» في المجتمع يتبنون رؤية للزمن مرتبطة بالواحدية الكونية السائلة التي تنفي الماضي والمستقبل تركز على الحاضر. وأخيراً، فإن عدم الانتماء للزمان والمكان المباشرين يعني حركية هائلة، فعضو الجماعة الوظيفية لن يضرب بجذوره في الواقع المحيط به.
٤ ـ ازدواجية المعايير:
أ) يؤمن عضو الجماعة الوظيفية بازدواجية المعايير التي تسم المنظومات الحلولية الكمونية الثنائية الصلبة، كما أنه يرى أن جماعته، التي يرتبط بها ارتباطاً عضوياً، جماعة مقدَّسة تسري عليها معايير أخلاقية قَبَلية صارمة لا تسري على أعضاء المجتمع.